غابة بنسليمان ثروة وطنية وعالمية تتعرض للتخريب والتلوث

الكاتب : الجريدة24

05 مايو 2022 - 03:00
الخط :

بوشعيب الحرفوي

إذا كانت غابة بنسليمان بتنوعها البيولوجي الهائل وتوفرها على ثروات غابوية وحيوانية مهمة تلعب على المستوى البيئي دورا رئيسيا يتمثل في المحافظة على التوازن البيئي ومحاربة التصحر وعلى المستوى الاجتماعي تساهم في خلق فرص العمل لساكنة العالم القروي وتعد موردا مهما لمداخيل الجماعات المحلية والدولة وفضاء مناسبا لممارسة نشاط القنص والترفيه والتنزه , وعلى المستوى الاقتصادي تخلق رواجا مهما يتمثل في إنتاج الخشب والحطب وإنتاج الفلين وتوفير الأعشاب الطبية والصيدلية.

فإن هذا الموروث الطبيعي الذي يعد ثروة وطنية وعالمية ومفخرة لمدينة بنسليمان وللمنطقة ككل، لم يتم استثمار كل مؤهلاته الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية والسياحية ليلعب دورا أساسيا في تأهيل الإقليم ويساهم في تنمية المنطقة . بل على العكس من ذلك فقد أصبحت غابة بنسليمان تتعرض خلال السنوات الأخيرة لشتى مظاهر التدهور والاستنزاف في غياب مراقبة صارمة من طرف المسؤولين بالإقليم , حيث ساهمت عدة عوامل طبيعية وبشرية في تخريب ونهب ثروات الغابة لانعدام الحراسة .

فأي زائر لها سيصاب بالصدمة وهو يتجول وسط الغابة أو بمحيطها جراء ما يحدث لهذا الكيان الطبيعي من تخريب وتلوث. حيث أصبحت الغابة عبارة عن مطرح للنفايات والأزبال ترمى فيها الأكياس البلاستيكية والقنينات وبقايا المواد الغذائية. وعلى طول الشريط الغابوي المحيط بمدينة بنسليمان والممتد من ثانوية الشريف الإدريسي مرورا بالمركب الرياضي لألعاب القوى وصولا إلى الحي الحسني يفاجئك تراكم النفايات وانتشار الأزبال على نطاق واسع التي تم رميها وسط الأشجار في منظر يثير الاشمئزاز والتقزز خاصة بالقرب من مدرسة الرازي حيث تراكم النفايات بمختلف أنواعها بجانب أكوام الأتربة والمتلاشيات.

كما أن بعض سائقي الشاحنات يحملون الأتربة من  أ وراش البناء ويقومون بإفراغها بعدة أماكن بالغابة  دون حسيب ولا رقيب، ولم يعد هؤلاء يطرحون مخلفات البناء والمتلاشيات في أماكن مختبئة وسط الغابة، بل يعمدون إلى إفراغ تلك الحمولات بمحيطها وبجانب الأحياء السكنية أمام مرأى الجميع وعلى مقربة من إدارة المياه والغابات مما يؤدي إلى تلوث الوسط الغابوي  ويهدد الثروات الطبيعية والحيوانية الموجودة به، ويطرح أكثر من علامة استفهام حول دور مصالح المياه والغابات في حماية الثروة الغابوية؟؟؟ أما الأشجار فتقول مصادر مهتمة بالمجال الغابوي " أنها تتعرض للقطع العشوائي بالمنشار والفؤوس"،

وتضيف نفس المصادر " بأن القانون يسمح بجمع النباتات الميتة لكن ان البعض يقوم بقطع الأشجار  الحية وتركها مدة طويلة حتى تيبس ثم يحملونها على أساس أنها ميتة، نتيجة غياب المراقبة والحراسة. إضافة إلى كثرة المقالع بالمنطقة  التي تسببت في إلحاق أضرار كبيرة بها حيث يؤدي الغبار الملوث المتطاير منها وكذا الحفر العميق الذي يهدد الفرشة المائية إلى تلاشي الأشجار والموت المتواتر لها خصوصا وأن الضايات المتواجدة بها والتي تشكل موردا مائيا لثرواتها تعرف هي أيضا تدهورا بسبب سوء الاستغلال والتدبير من طرف المصالح المختصة ويتجلى ذلك في غياب إجراءات حمائية خاصة بها . كما أن الزحف العمراني الذي بدأ يمتد الى المجال الغابوي من خلال تناسل وتهيئة عدة تجزيئات سكنية به أصبح يضيق الخناق على الثروات الغابوية ويهدد الوظيفة البيئية والسياحية والاقتصادية للغابة.

إن التدهور الكبير الذي أصبحت تعرفه الغابة تقابله اللامبالاة وانعدام المسؤولية من طرف الجميع :مسؤولين ومنتخبين، وان كان الجزء الأكبر فيه تتحمله مصالح المياه والغابات و التي تتمثل في عدم قيام المسؤولين بها بالمراقبة الصارمة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير الحماية الكافية للغابة والحفاظ على هذا الموروث الطبيعي المتميز الذي يعد رمزا وطنيا، تنعم بهدوئه وجماله مدينة بنسليمان.

وللإشارة فإن غابة بنسلسمان  تمتد على مساحة تقدر ب :12261هكتار وهي جزء من المساحة الإجمالية للملك الغابوي بالإقليم البالغة حوالي 58000هكتار وقد تم ترسيم حدودها سنة 1916 حيث يحدها شرقا وادي شراط  وغربا جماعة فضالات وجنوبا جماعة الزيايدة .

فموقعها الاستراتيجي القريب من المحيط الأطلسي ونتاج نشاطها الفزيولوجي يوفران للمنطقة مناخا متوسطيا فريدا يمتاز بالاعتداء. بالاضافة الى ذلك فان غابة بنسليمان التي تتشكل اساسا من اشجار بلوط الفلين هي الغابة الوحيدة  التي تتحمل الظروف المناخية الٌقصوى نظرا لتواجدها في اقصى الحدود الجنوبية لانتشار غابات هذا النوع من الأشجار الذي لا يتواجد عالميا إلا في سبع دول متمركزة غرب  حوض البحر الابيض المتوسط وهي البرتغال، اسبانيا، فرنسا ، إيطاليا، الجزائر، تونس والمغرب .

وهي تتوفر على تنوع نباتي غني مكون من أشجار وشجيرات وأعشاب مختلفة تتوزع على حوالي  350 نوعا من هاته  الأصناف تشكل  فيه شجرة بلوط الفلين نسبة62 %  وهي تعمر من 100 الى150  سنة  كما تزخر بعدة أنواع أخرى من الأشجار والشجيرات مثل :تيزغة –الزيتون البري، بوخنو.... وكذا بالعديد من الأعشاب كالزعتر وفليو وأنواع كثيرة من الأعشاب الطبية .

هذا التنوع النباتي المهم للحميلة البيئية يؤهل الغابة اقتصاديا واجتماعيا، حيث تتردد عليها الساكنة المجاورة للاستفادة من ثرواتها خصوصا في مجال الرعي والحطب والفلين وجني الأعشاب الطبية وكذا استغلال بعض مساحتها  للزراعة وتربية النحل.  وتعيش بها أنواع وأعداد مهمة من الوحيش اختفى بعضها كالنمر وأسد الأطلس وقطعان الغزلان التي اندثرت بفعل القنص في حين مازالت بها حيوانات عديدة .

وقد مكنت بعض الدراسات من تحديد 700 نوع حيواني موزع على 314 عائلة , تحتل الحشرات فيه المرتبة الأولى ب 158 7عائلة , ويعتبر الخنزير البري الأكثر انتشارا بغابة بلوط الفلين, بالإضافة إلى وجود حيوانات أخرى كالثعلب والأرنب وكذا الزواحف , وعدد كبير و متنوع من الطيور  حيث يوفر لها الغطاء النباتي الكثيف الحاجيات الضرورية  ويشكل  ملجأ هاما وملائما للعديد من الحيوانات البرية مما جعلها قبلة لهواة القنص الذين يتوافدون عليها من المدن المجاورة حيث تنشط فيها عدة جمعيات التي تساهم في بعض التجهيزات الاقتصادية والاجتماعية وتربية الطيور وإطلاقها في الغابة وخلق فرص الشغل للساكنة المجاورة.

كما توجد بغابة بنسليمان عدة أوساط طبيعية ذات مناظر جميلة وخلابة يقصدها العديد من الزوار والمتنزهين على مدار السنة للاستمتاع بها ومن أهم هذه الأماكن:عين السفيرجلة,عين القصب وعين الدخلة التي تعد بحق من أجمل المناطق السياحية بالمغرب .

بالإضافة إلى وجود العديد من الضايات اكثر من 200 ضاية التي تعد وسطا لنمو العديد من النباتات النادرة وخزانا مائيا مهما للحميلة البيئية . لكن صرف مياه الضايات يشكل خطورة على الغابة ويهدد توازنها البيئي .

ومما يضفي رونقا وجمالا  عليها هو توفرها( الغابة) على عدة صخرات (صخرة النمرة , صخرة بوشويطينة......) تمنح المتعة لمرتاديها خصوصا أصحاب هواية التسلق ,هذا إضافة إلى وجود مغارات بها . فالتنوع الجمالي والطبيعي للغابة جعل مدينة بنسليمان والمنطقة تعد مكانا مشجعا  على السياحة، إذا ما تم استثمار وتنظيم هذا المجال للمساهمة في تنميتها سياحيا. فإلى متى ستظل غابة بنسليمان خارج المراقبة والحراسة ومعرضة للتخريب والتلوث؟

آخر الأخبار