لهذه الأسباب لا يلام المغرب في أحداث مليلية المحتلة

الكاتب : الجريدة24

27 يونيو 2022 - 09:00
الخط :

سمير الحيفوفي

قضى 23 مهاجرا من دول جنوب الصحراء نحبهم على أعتاب المعبر البري الفاصل بين مدينة الناظور المغربية ومليلية المحتلة الواقعة تحت التاج الإسباني، لكن ما حدث لم يكن بالإمكان تجنبه، وما أزهق من أرواح، خلال كل هذا، لا يتحمل فيه المغرب أدنى مسؤولية، وهو الذي وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه البتة.

مهلا مهلا.. الأمر ليس دفاعا سافرا عن المغرب وقواته الأمنية دون سند. لماذا؟

لأن من يريد أن تكتمل أمامه معالم ما جرى عن حق فجر يوم الجمعة الماضي عند السياج الحديد الشائك والمحاط بخندق لحماية ثغر مليلية السليب، يلزمه العودة في البدء إلى تصريحات مهاجرين نجوا من الموت فيتلك الليلة الليلاء، وقد أكدوا أنهم هاجموا السياج وهم يعرفون أنهم إما سيَقْتُلون أو يُقْتَلون من أجل تجاوز القوات الأمنية المغربية وبعدها السلك الشائك ثم القوات الأمنية الإسبانية.

واحد من المهاجرين الذين تجاوز عددهم الألفين وممن استقت "دويتشي فيله" الألمانية تصريحاتهم قال بعظمة لسانه لقد "جئنا لنقاتل وكان الأمر أشبه بحرب.. لقد جئنا مدججين بالحجارة لنقاتل القوات المغربية"، وعطفا على ما ند من فم هذا المهاجر يمكن تخيل الجحيم الذي عاشته قوات الأمن المغربية وهي تفاجأ بجحافل من الراغبين في بلوغ الـ"إلدورادو الأوربي" بأي ثمن ولو على جثث أبنائنا المرابطين عند حدود المملكة.

إذن فعند حدود مليلية السليبة انعقدت كل ظروف الحرب، من قبل المهاجرين المهاجمين، وفي كل حرب هناك خسائر يتكبدها من لم يحسب جيدا الحسبة، وخاضها برعونة مستصغرا ومحتقرا الحواجز التي تعترض بلوغه الهدف الذي رسمه من ورائها، والحال هنا يتعلق بالعبور نحو مليلية المحتلة التي تمثل أوربا صغيرة محشورة في ركن أرضي بعيدا عن القارة العجوز ولكنه فوق إفريقيا، وفي أرض المغرب تحديدا.

وفضلا عن كل هذا، تتلاشى مسؤولية المغرب فيما حدث متى رجح العقل على العاطفة، وركن محللو ما حدث إلى الصواب، فبلدنا يجد نفسه محشورا بين الضغوطات التي تمارسه الدول الأوربية عليه وبين الهم الذي يتملكه في ضمان الأمن والنظام، وقبله تحمله المسؤولية إزاء حماية حدوده وصونها بكل ما في الكلمة من معنى، أو بمعنى آخر ماذا لو غض المغرب الطرف عن أمواج المهاجرين التي رامت اجتياح مليلية المحتلة، حينها كان سيبدو مقصرا وغير مسؤول البتة إزاء تنفيذه التزاماته بشأن التدبير المشترك للحدود كما هو معمول به في مختلف مناطق المعمورة.

وقبل كل هذا، لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، ففي مواجهة القوات المغربية كان هناك مهاجرون عقدوا العزم على تجاوزها لمعانقة أوربا، ولم يكن بإمكان القوات المغربية التزام السكون والوقوف بلا حراك فالأمر يتعلق بأرض مغربية وبحدود وهمية ومن الأولى الضرب على أيادي الفوضويين الذين سبق ووجدوا في المغرب بلد استقبال واستقرار بعدما تحول رويدا رويدا إلى بلد عبور.

ثم إن ما جرى عند مشارف مليلية المحتلة، ما كان ليروق أحدا من أعداء المغرب في الخارج ممن يتربصون به الدوائر ويحاولون تصيد كل شاردة قبل واردة لمهاجمته، كما أنه ما كان ليروق خونة الداخل ممن يحملون في أنفسهم بذور الشر التي تنبت وفق اهوائهم فإن سمحت القوات المغربية للمهاجرين بالعبور نحو المدينة السليبة كان سيجعلهم يتهمون المملكة بالاتجار بالبشر والرمي بهم إلى الهلاك والبحر، ومتى وقفت في وجوه الـ"حراكة" رددوا اسطوانتهم المشروخة التي نسمعها حاليا وهي "لك الله يا وطني فقد أصبحت دركي أوربا".

ولا يتجاوز تحليل ما جرى كونه بسيطا، وبساطته لا يستسيغها المنتقدون، إذ بعيدا عن سماحة القوات المغربية من عدمها، كانت أعداد المهاجرين الذين حاولوا العبور كبيرة وقد سعوا للمرور عبر معبر ضيق سبق ونصبته السلطات الإسبانية ليسمح بمرور شخص واحد تلو الآخر، وهو أمر تسبب في الازدحام والازدحام يتسبب في الاختناق، ومن اختنقوا ماتوا تحت أقدام زملائهم الذين دهسوهم وقد رفع كل منهم في دواخله شعار أنا وبعد الطوفان.. فمات 23 شخصا، نعاهم الجميع بما فيهم سفراء الدول الإفريقية هنا بالمغرب والذين انتحلوا كل الأعذار لبلد رائد في تدبير قضية الهجرة، احتضن المهاجرين واحتواهم وسوى وضعية أزيد من 50 ألفا منهم، ومكنهم من كل سبل العيش بين ظهراني المغاربة دون تمييز.

آخر الأخبار