من جرائم الشرف: يقتل أخته ويصادر حقها في الحياة بذريعة "حراسة الفضيلة"

من جرائم الشرف: يقتل أخته ويصادر حقها في الحياة بذريعة "حراسة الفضيلة"
أمينة المستاري
كانت الساعة تقارب الحادية عشر ليلا، حينما دلفت نجاة، ذات العشرين ربيعا إلى منزل شقيقها وهي تختلس النظرات في الصالون أملا منها في أن يكون أهل الدار نياما، لكن فألها خاب بعد أن وجدت شقيقها ينتظر وشرارة الغضب تتطاير من عيناه.
وجلت الشابة بوجهها الصغير، وعيناها الكبيرتان واحمرت وجنتاها من الخجل، فقد خرجت في غياب شقيقها البشير، كانت ترتدي ثيابا قصيرة وحذاء شتويا بكعب عالي، وتلف شعرها بمنديل قصير، وتقدمت بخطوات متأنية وجهة شقيقها الذي نظر إليها بعين ثاقبة كمن يوجه سهمه، ويسألها عن سبب تأخرها، تلعثمت ولم تجب في الحين وكان الرد كذبة حسمت مصيرها المأساوي. وأنهت حياتها في دقائق.
صبيحة ذلك اليوم، استفاقت ساكنة أحد الدواوير بعين عائشة بإقليم تاونات، على خبر صادم فقد سلم شقيق سعاد نفسه بعد أن أجهز على أخته وذبحها من الوريد إلى الوريد لغسل شرف العائلة الذي دنسته.
ترعرعت نجاة في أسرة صغيرة، والدها فلاح ووالدتها ربة بيت كان قد نهش المرض جسدها، ولم تكد نجاة تبلغ سن السابعة حتى وجدت نفسها يتيمة الأم، وأحست بثغرة كبيرة في حياتها بغياب صدر حنون يحتضنه وتحكي له أسرارها في شبابها، رغم محاولات الأب الحلول محل الأم وإعراضه عن الزواج بامرأة أخرى، حتى لا يعاني الابن والابنة.
كبرت نجاة وأصبحت شابة جميلة، ذات عينان خضراوتان، ممشوقة القد، تتمتع بجمال "جبلي" هادئ، فيما كبر الأخ وأصبح شابا يعول عليه، حتى توفي الأب وهو يوصي ابنه بأخته.
عند بلوغه العقد الثالث، قرر البشير الزواج وتكوين أسرة، كانت فرحة نجاة لا توصف، فستجد رفقة جديدة في البيت وهي زوجة الأخ. بعد سنتين، رزق الزوجان بتوأم" ياسين" و" فرح" أدخلا الفرح على البيت الصغير، وحضيا باهتمام البشير وزوجته وكذا العمة نجاة التي كانت تحاول مساعدة شقيقها في الحقل، ولا تتوانى عن القيام بأشغال البيت والاهتمام ببعض الأغنام التي كانت الأسرة تملكها...فقد تولد لديها إحساس منذ توفي والدها برد الجميل لأخيها وإرضاء زوجته من خلال مساعدتها في تربية التوأمين.
تعرفت نجاة على شاب أثناء توجهها إلى السوق الأسبوعي، بعد أن تتبع خطواتها مرات عديدة، وتمكن من استمالة قلبها. كان فؤاد شابا طويل القامة، أسود الشعر، ذو سحنة سمراء، يعمل حارسا في إحدى شركات النسيج بمكناس، ويزور أسرته من حين لآخر. كان أول لقاء بينهما للتعارف، بعد أن اعترض الشاب طريق نجاة وعبر لها عن إعجابه بها ورغبته في ربط علاقة ستنتهي بارتباط، فيما وقفت الفتاة تستمع وتحني رأسها من حين لآخر خجلا، فهي تقف هذا الموقف لأول مرة في حياتها، وقبل أن ينتهي اللقاء طلب منها فؤاد اللقاء مرة أخرى ، فلم ترفض، فقد أثار الشاب إعجابها بل يبدو أن عدم التجربة جعلها تعتبره فارس أحلامها.
تكررت اللقاءات بينهما، وخفق قلب نجاة لأول مرة فقد أحبت فؤاد الذي رسم لها مستقبلا ورديا، وطبعا لسذاجتها، وثقت بكلامه المعسول، وسلمته نفسها في إحدى لحظات الضعف أثناء تواعدهما في الحقل بعيدا عن الأعين، وارتكبت غلطة عمرها، وعادت إلى بيتها حزينة مهمومة نادمة لكنها كانت تأمل أن يفي فؤاد بوعدة ويتقدم لخطبتها.
توالت اللقاءات بين نجاة وفؤاد، كل أسبوع، فقد كانت تتحجج بالذهاب للسوق الأسبوعي لاقتناء بعض الأغراض الشخصية لها، وكانت تتأخر في كل مرة، وهو ما أثار الشكوك في نفس شقيقها. وقد تناهى إلى سمع الأخ البشير أن أخته قد شوهدت وهي تتحدث مع "فؤاد" شاب من نفس الدوار،
في ذلك اليوم المشؤوم، تغيبت الشابة دون مبرر" السوق"، كانت من عادت شقيقها البشير أن يقضي بعض الوقت في المقهى الوحيد بالدوار صحبة بعض أصدقائه، بعد تعب يوم كامل في الحقل خاصة في فصل الصيف، حيث يحلو السمر والحديث الطويل. عاد متأخرا إلى البيت ولم يجد أخته، جلس يخمن ويضرب أخماسا في أسداس، حتى دخلت نجاة لتفاجئ به يخضعها لتحقيق واستنطاق، فلم تجد من مبرر سوى ذهابها لزيارة أسرة زوجته، لكنها لم تكن تعلم أن الزوجة قضت اليوم كلها بمنزل والديها، فلم يكن من الأخ سوى الذهاب إلى بيت أصهاره.
عاد البشير بعد نصف ساعة، وهو يرغي ويزبد، فقد ذهب عند أهل زوجته، فأخبروه بعدم زيارة نجاة لهم منذ مدة، منع زوجته وطفليه من العودة إلى البيت بحجة أن الوقت متأخر، وأمام استفسارها خرت قوى الفتاة وهي تخبر شقيقها بخبر وقع كالصاعقة عليه: فقدانها لشرفها وحملها من شاب وعدها بالزواج، لكنه هذا الأخير تنصل من المسؤولية.
كالثور الثائر، كانت عيناه محمرتان، فقد صدق الإشاعات التي أشارت بالأصابع إلى أخته وعشيقها، لم يصدق أن تلك الفتاة الخجولة والعاملة المجدة قد تخفي شيئا عنه، حتى لاحظ مؤخرا تغيبها المتكرر لساعات طوال.
كانت نجاة تحاول في كل مرة إقناع "فريد" بضرورة التقدم لطلب يدها من شقيقها، وفي كل مرة كان يتحجج بحجج واهية، فظل يماطلها، إلى أن برزت أول علامات الحمل عليها.
لم يتأخر البشير عن معاقبة أخته، لم ينم تلك الليلة، فقد صمم على تخليص شرفه وشرف أسرته من العار.
هب من فراشه واتجه نحو المطبخ، وجد سكينا متوسطا يستعمل في الطبخ، واتجه صوب أخته، دلف الغرفة في حين كانت نجاة تغط في نوم عميق، لم تشعر باقترابه حتى دنا من وجهها،
استفاقت مذعورة عند رؤية السكين مرفوعا في يد شقيقها، لم يمهلها الفرصة للصراخ أو الاستعطاف، ومرر السكين على عنقها، ولم تهدأ نار غضبه إلا برؤية الدماء تتدفق من شريانها ...خترقت لعنة الموت ظلمة البطن، وأودت بحياة الأم وجنينها البالغ آنذاك ثلاثة أشهر.