المصالحة الفلسطينية بعيون الجزائر.. شتان بين الواقع وكلام المواقع

هشام رماح
شتان بين الواقع وما تلوكه المواقع في الجزائر والسابحون في عوالم الأوهام، إذ البون شاسع بين تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وبين التظاهر بتحقيقها، كما حدث في الجارة الشرقية حيث التأم، منذ يوم الثلاثاء 11 أكتوبر 2022، أعضاء وقادة نحو 14 فصيلا فلسطينيا فيما أطلق عليه "مؤتمر المصالحة من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية".
وإذ تتجذر خلافات عميقة بين شتى الفصائل الفلسطينية، فإن من البديهي ألا تطوى هذه الخلافات بين عشية وضحاها، لكن للنظام العسكري في الجزائر رأي آخر، وقد أطلق أبواقه من أجل التطبيل بغير ذلك، يوم أمس الخميس 13 أكتوبر 2022، طلبا لمجد زائف عبر الترويج لاتفاق أعلن عنه باسم "إعلان الجزائر" وهو زائل لا محالة.
نعم إنه اتفاق زائل لأن نصه النهائي لم يدمغ أي حقيقة تفيد بالمصالحة، ومتنه يحبل بالعموميات المقرونة بالمتمنيات، التي لا تسمن ولا تغني من جوع في قضية فلسطينية أعقد بكثير مما يتراءى للعسكر الذين جيشوا الجميع في البلاد التهليل لهكذا إنجاز أجوف.
لقد تم التوقيع على "إعلان الجزائر" في حضور عبد المجيد تبون، الرئيس الصوري الجزائري وبحضور السعيد الشنقريحة، الرئيس الفعلي والماسك بأركان الجيش الجزائري وأعضاء الحكومة ورئيس مجلس الأمة وكذا رئيس المجلس الوطني الشعبي، فضلا عن عدد من السفراء المعتمدين بالجزائر.
وفي ختام التوقيع، فوجيء الجميع بأن رمطان لعمامرة، افتدى نفسه ليلطخها بعار ادعاء تحقيق المصالحة الفلسطينية تحت سماء الجزائر، بعدما آثر تبون التواري إلى الوراء حتى لا يتبعه هذا العار إلى الأبد، وهو أحرص الناس على التسويق لنفسه، ولو اعتقد فعلا بأن ما تحقق يصدق عليه وصف "المصالحة"، لما ترك هذا "الشرف" لغيره، ولكنها الحقيقة المرة.
وبالعودة إلى النص لإعلان الجزائر النهائي الذي تلاه سفير دولة فلسطين بالجزائر، بدا مهلهلا فضفاضا، وهو يشتمل على 9 نقاط من الجلي أنها حررت بأيادي جزائرية، دونا على أنامل ممثلي الفصائل الفلسطينية التي جرى التطبيل لكون ممثليها تصالحوا عند أعتاب الجزائر.
ومن باب التذكير اللازم، فإن النقطة الأولى هي الفريدة التي كانت يمكن أن تشكل تقدما، في هذا الإعلان، وهي الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، لكنها سرعان ما جرى سحبها بعد اعتراض ممثل فتح عليها، وفي ذلك ما يؤكد فشل المصالحة وزيف ما تفوهت به أبواق الجزائر.
إن ما يشج بين الفصائل الفلسطينية معقد وأعمق من أن يختزل في إعلان تذروه الرياح، وليس للوقيعة المؤكدة بين حماس وفتح منذ إبطال نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية لعام 2006، التي فازت فيها حماس، أن تتلاشى بين ليلة وأخرى، فلا المنطق ينسجم مع طي 15 سنة من الخلاف في غمضة عين، ولا الواقع خالف المنطق في هذا الشأن.
ولا خلاف أن "إعلان الجزائر" أوهن من بيت العنكبوت، غير أن النظام الجزائري المسكون بهوس تحقيق الذات وإثباتها، يرى غير ذلك، وقد ذهبت به الظنون أنه يستطيع الكذب على الجميع وهذا الجميع يعرف جيدا ويلم كثيرا بخبايا القضية الفلسطينية وتعقيداتها في الداخل، أكثر من نظام مارق، يمارس التقية ولا يدري أن الكل يعرف ماهيته.
ليست الجزائر بحمولة قوى إقليمية كبرى مصر والسعودية وتركيا، ورغم الجهود التي صرفتها هذه الدول، على مدى سنين، لم تستطع للمصالحة سبيلا، لكن الجزائر استطاعت ما عجزت عنه في ثلاثة أيام، فأي "مثالية" مقرفة يعيشها هؤلاء العسكر في أذهانهم؟
مساكين أولئك الأجلاف في جارة السوء، يحاولون الظهور بمظهر الأبطال على ظهور الفصائل الفلسطينية، لكنهم يستطيعون الكذب على رؤوسهم وعلى المغرر بهم في بلادهم، لكن كذبهم أوضح من الشمس في نهار جميل.