أكاديمية محمد السادس لكرة القدم عرين أشبال اليوم وأسود الغد

هشام رماح
هل هي الصدفة ما جعلت المغرب يرمي بأعتى المنتخبات في العالم خارج سباق مونديال "قطر 2022"، ويصبح بالفعل عقدة المنتخبات الأوربية في هذا المحفل الكروي؟ طبعا. لا.
الأمر لا يتعلق بالحظ أو لعبة النرد، بل بممارسة واحتراف فعلي لكرة القدم وأقدام "أسود الأطلس" تعكس دُربة فريدة في مداعبة المستديرة على المستطيل الأخضر، وهو أمر تجرعه العديد من خريجي أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي أصبحت مشتلا زاخرا بالأشبال التي تصقل مخالبها في الداخل حتى تحمل القميص الوطني وتمزق بها كل عقد تفوق الغرب التي تملكت الأفارقة والعرب جميعا خلال مشاوير مشاركاتهم في المونديالات السابقة.
وفي مونديال قطر حاليا، قد يخامر البعض أن بلوغ أسود الأطلس الدور قبل النهائي، جاء بضربة حظ أو أن الطريق كان مفروشا نحو المربع الذهبي، والحال أن أبناء وليد الركراكي، تصدروا مجموعة الموت التي تبقى منها منتخبان اثنان ضمن الرباعي الكبار وهما كرواتيا بعد المنتخب الوطني المغربي، الذي أصبح ملح المونديال القطري.
ولأنه لا مكان للصدفة في مشوار الإنجازات، يلزم الرجوع إلى الأسباب التي جعلت المملكة تخطو خطوات جبارة في عالم كرة القدم، وجعلت المغاربة يعتقدون أيما اعتقاد أنهم ليسوا أدنى من نظرائهم في الضفة الأوربية، حيث تترسخ مدارس كروية تحوز شهرة منقطعة النظير، فكان أن بادر الملك محمد السادس، إلى إنشاء أكاديمية كروية بطابع مغربي صرف، أسبغ عليها كل العناية من أجل تكوين أجيال المستقبل في ممارسة كرة القدم.
وفعلا تحققت أماني الرياضي الأول، إذ في أكاديمية محمد السادس لكرة القدم تلتئم كل معاني التألق والنجاح، فهي أصبحت واقعا يترجم بعد الرؤية التي تملكت عاهل البلاد، حينما دشنها في 2009، بمدينة سلا وهي تتمطى على مساحة تبلغ 18 هكتارا، من أجل تنشئة جيل كروي قادر على صناعة الأمجاد والذود بكل صلابة واحترافية عن القميص الوطني ورفع علم المملكة خفاقا وعاليا.
وأتى بُعْدُ الرؤية الملكية أُكله، وللتيقن من ذلك، تكفي الإشارة إلى أن يوسف النصيري، الذي أصبح أول لاعب مغربي يسجل في مونديالين هما مونديال "روسيا 2018" و"قطر 2022" وحسم مواجهة المغرب أمام البرتغال بقفزته الأسطورية التي بلغت 2,78 مترا كالأعلى بين نظيراتها في تاريخ كأس العالم، هو واحد من خريجي الأكاديمية.
أيضا هناك عز الدين أوناحي، لاعب الوسط الذي أبهر العالم وجعل فك"لويس إنريكي" مدرب "لا روخا" يسقط من الاندهاش بمهاراته وإصراره المكين، ثم نايف أكرد، المدافع الصلد الذي شكل إلى جانب رومان سايس طوقا يحيط بخاصرة مهاجمي الخصوم ويصدهم عن سبيل مرمى ياسين بونو أو منير المحمدي.
لقد أبان خريجو أكاديمية محمد السادس لكرة القدم عن كعبهم العالي، وذلك لم يتأتى جزافا أو بين عشية وضحاها فقد تطلب صبرا وأناة وقبل كل شيء العمل والمثابرة في الخفاء، فتمخضت الأكاديمية لتلد لنا أسودا ترتعد لزئيرها فرائص الخصوم، وأصبح الجميع يضمر لها تريليون حساب، بعدما أمتعوا العالم ووحدوا بين المشرقي والمغربي والشمالي والجنوبي، وجعلوا راية المملكة الشريفة خفاقة.
لقد كان اللاعبون الذين أتى ذكرهم أشبالا بالأمس في أكاديمية محمد السادس وهم الآن أسود أطلقها المشرفون عليها في البراري لتأتي على الأخضر واليابس بكل أنفة، ولهذا لا يمكن القول بأن بلوغ أسود الأطلس إلى نصف النهائي هو محض صدفة.