التحرش الجنسي في المدارس.. أزمة أخلاقية تهدد مستقبل التلميذات ورسالة المدرس

الكاتب : الجريدة24

04 يناير 2023 - 10:40
الخط :

إنجاز: أسية اسحارت

تعودت الأجيال أن ترى في المدرسة البيت الثاني للطفل، وأسوارها ما هي إلا أيادٍ صادقة توجه التلاميذ صوب مسار دراسي ناجح. لكن؛ يبدو أن عاصفة دخيلة هزت أسوار الحماية، والبيت الآمن أصابته حمى أخلاقية باتت تهدد سلامة المتمدرسات على الخصوص، بينما علامات استفهام جدية تطفو على سطح الأزمة الأخلاقية حول مدى انجراف المدرسة في التخلي عن مبادئ الدعم وتوفير فضاء آمن والحماية اللازمة إلى التلميذات اللواتي يتعرضن إلى التحرش الجنسي. كيف للأستاذ يتبرأ من قيمته الأخلاقية والتربوية في عدد من الحالات التي من خلالها يدنس فيها نبل الرسالة وعمق الانتماء إلى رسم خارطة الأجيال وتوجيههم؟

لم يعد مقبولا تجاوز شبح التحرش الجنسي بالتلميذات في المدارس وهو يفرد جناحيه على المؤسسات التعليمية، كما لا يمكن التغاضي عن الحالات المخيفة التي سجلتها المملكة وتقدمت العناوين العريضة بالمصادر الإعلامية والإخبارية الوطنية، ما يؤكد خطورة توغل الأزمة والإخلال بواجب الانضباط في الوقت الذي تلعب فيه المدرسة دورا قويا في بناء مجتمع متوازن وترسيخ قيم المواطنة والعدالة.

قبضة التحرش

تختلف تفاصيل التحرش من حالة إلى أخرى، كما تختلف ردة الفعل أو التمادي في مشهد التحرش بالتلميذات داخل أسوار المؤسسة التعليمية، ولعل وجود حالات متكررة تؤكد جدية الوضع بينما تجاهد المدرسة إلى جانب الغيورين على قدسية الرسالة التعليمية في إبعاد وصمة 'العار' عنها.

تتعرض التلميذات اللواتي يتابعن دراستهن بالثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي بشكل خاص إلى مضايقات قبل أن تصل إلى تحرش جنسي من قبل عدد من الأساتذة الذين يحولون المدرسة إلى فضاء مغلق لممارسة سلوكيات منحرفة.

يضع التحرش التلميذة أمام موقف مؤسف ومخزي، حيث يشمل السيناريو نظرات غير بريئة إلى أماكن أنوثة الفتيات على سبيل المثال أثناء الحصة الرياضية بساحة المدرسة، حسب أقوال تلميذات بثانوية بمدينة فاس، حيث يطالب مدرس الرياضة من الفتيات القيام بحركات رياضية معينة من خلالها يشبع نظراته المنحرفة، إضافة إلى الحديث عن مواضيع خارج إطار الدرس كأن يسأل الأستاذ تلميذته عن رأيها في الزواج والعلاقات، أو مغازلتها بحجة أناقتها وقد يصل الأمر حد التطاول بلمس التلميذات لمسة مغلفة بالصدفة.

مناهضة التحرش

تستمر الأزمة الأخلاقية في هدم قيم الأمان والعدالة، وهي أزمة شجعت جمعيات المجتمع المدني على التجنيد بكل أطرها لتقديم الدعم الإنساني لحالات التحرش والعنف بكل أشكاله. في هذا السياق، تؤكد لنا أسماء قبة، رئيسة الجمعية المغربية لمناهضة العنف والتشرد بفاس، على دور جمعيتها في مؤازرة ضحايا العنف والاعتداءات الجنسية، إلى جانب تكثيف الحملات التحسيسية بالمدارس والموائد المستديرة لتقريب الأهل من خطورة التهديد وشرح مدى قدسية جسد الطفل والحفاظ عليه.

وتتابع أسماء قبة، أن الجمعية التي ترأسها تواظب على الاستماع إلى الأم بعد وضع طلب للمؤازرة، في حالة تعرض طفل إلى عنف أو اعتداء حيث تتفاعل الجمعية بجدية وتقوم مباشرة بوضع شكاية إلى النيابة العامة، وتواكب عن كثب الإجراءات بداية من الخبرة الطبية على الضحية ومرافقة الضحية والاستماع لها ومؤازرتها قانونيا ونفسيا.

وحول إشكالية مدى تفاعل الأهل مع حالات تعرض أطفالهم إلى التحرش أو الاعتداء الجنسي، أشارت أسماء قبة، وهي كذلك مديرة مركز شمس للاستماع والإرشاد والتوجيه القانوني، إلى تباين التفاعل بين الأهل حيث هناك من تكون ردة فعلهم سريعة عكس البعض الذين لا يدركون خطورة الأمر أو لا يتوصلون بالخبر، وذلك راجع إلى ''عدم مجالسة الأم لابنتها، أو دراسة سلوكها إذا ما تغير''.

القالب الاجتماعي والتحرش

يجد مروان لمدبر، أستاذ باحث في علم الاجتماع بجامعة أبا شعيب الدكالي بالجديدة، أن التحرش يتخذ أشكالا مختلفة منها ما هو أخلاقي ومنها ما هو مادي خاصة مع بروز وسائل التواصل الاجتماعي، حيث '' أصبح التحرش يأخذ أبعاد رقمية. الهدف من التحرش هو إخضاع الاَخر، وذلك عبر تكرار ميكانيزمات التحرش المتمثلة أساسا في العنف المادي أو/ النفسي (الاستفزازات والتهديدات والإغراءات)''.

وأكد مروان لمدبر أن التحرش غير وارد وصفه بالظاهرة المألوفة نظرا إلى أن غالبية المجتمع يرفضها ويندد بها، موضحا أن ''التحرش غير مألوف ولن يكون مألوفا.

كما عزز قوله بأن ''التحرش كذلك لن يكون مألوفا لأن استهجانه يتأسس على قيمة دينية وانسانية قوامها عدم الاعتداء على الاَخر واحترامه وصون كرامته. وحسب التقرير التحليلي: البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات لتلامذة السنة السادسة ابتدائي والسنة الثالثة ثانوي إعدادي (PENA 2019) والذي أنجزه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي فظاهرة تحرش المدرس بالتلميذ تصل لحوالي %13''.

وأوضح المتحدث للجريدة، أن الأمور تصبح معقدة إذا ما كان المتحرش الجنسي مدرسا، باعتباره فردا موكولا إليه التعليم والتنشئة الإيجابية، التي تعد قناة لتمرير قيم المجتمع من صون لكرامة الآخر واحترامه، مشيرا إلى دراسات سوسيولوجية في التربية بينت أن ''المدرس بمثابة وكيل المراقبة والعقاب الاجتماعيين: يراقب مدى احترام المتمدرسين للقيم ويعاقب عند الانحراف''.

وشدد مروان لمدبر على أن وضع المدرس يغلفه ''النموذج المرجعي'' وإذا ما تحرش يعاقبه المجتمع أكثر من المتحرش العادي"، من خلال نظرة دونية تحاصره ولا تسلم منها المدرسة قبل أن تفقد هيبتها وبالتالي دورها فضلا عن ثقة المجتمع في كونها فضاء مربيا ومراقبا، وعاملا في الارتقاء الاجتماعي.

الرادع القانوني

تخطى التحرش الجنسي إطار الظاهرة العادية التي تتطلب حملات توعوية، إذ لا يمكن محاصرة الوضع الأخلاقي دون رادع قانوني صارم. في هذا السياق، يشير هشام تلوسي، محامي بهيئة فاس، إلى المادة 503-1 من مسودة مشروع القانون الجنائي المغربي حول التحرش الجنسي، التي تنص على ''عقاب المتحرش بالحبس من سنة إلى سنتين وبالغرامة من 5000 درهم إلى 50000 درهم من أجل جريمة التحرش الجنسي، وكل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات عبر وسائل الإكراه مستغلا سلطته التي تخولها له مهامه لأغراض ذات طبيعة جنسية''.

واسترسل هشام تلوسي، أن المشرع، ورغم أنه لم يضع تعريفا واضحا للتحرش الجنسي، قد رسم مجموعة من الوسائل إذا ما توفرت تشكل جنحة التحرش الجنسي، وحددها في كل من فرض الأوامر والتهديدات من خلال وسائل الإكراه، وبالتالي ترك المشرع المغربي الباب مواربا للسلطة التقديرية لوكيل الملك في اعتبار مجموعة من الأفعال لم يذكرها الفصل.

وتابع المتحدث، مؤكدا أن هناك مرونة في التعامل مع هذه المادة، في الوقت الذي تكون وسائل إثبات التحرش مستعصية، خاصة إذا راود التلميذة الخوف من الأسرة أو من تدنيس سمعتها. أما حول وسائل الإثبات، فيستبعد هشام تلوسي أن يكون الاعتراف إحداها لاسيما وأنه من النادر اعتراف الأستاذ بتعريضه تلميذة للتحرش الجنسي. لكن، من جهة، يتم الاعتماد على شهادة الشهود وغالبا ما تكون هذه الوسيلة التي تركن لها النيابة العامة في تحريك المتابعة.

وأضاف ذات المصدر أن الدليل الكتابي وارد اعتماده في عملية الإثبات باعتباره معززا لوجود تواصل مستمر بين الأستاذ والتلميذة عبر مواقع التواصل الاجتماعي المستحدثة، إلى جانب تسجيلات المكالمات الهاتفية إذا توفرت تعتبرها النيابة دليلا لإدانة الفاعل بجنحة التحرش الجنسي.

ولم يتردد هشام تلوسي في استنكار أن يكون المتحرش الجنسي مدرسا، لما يلعبه من دور القدوة والمثل الأعلى في الأخلاق والتفاني، لكنه برر مشروعية التساؤل إلى عدد الحالات التي سجلتها المملكة وكان بطلها المدرس بالملموس والدلائل، خاصة بعد وعي التلميذات والطالبات بخطورة استغلال ضعفهن، وخروج حالات متعددة للعلن، مستحضرا ملف الجنس مقابل النقط بمدينة سطات وبجامعات أخرى في المغرب، وهو الأمر الذي خلق جدلا واسعا وأثار الرأي العام، مشددا على أن العقوبة التي حددها المشرع غير كافية لردع كل من سولت له نفسه التحرش على مستوى الجامعة بالطالبات أو بالتلميذات القاصرات.

تواصل الأزمة الأخلاقية في التوغل داخل المؤسسات التعليمية، مربكة صورة المدرس قبل أن تصيبها بخدوش التحرش الجنسي، معلنة عن شرخ مقلق في العلاقة النبيلة التي تجمع المدرس بتلميذاته، وبالتالي وجب محاصرة هذا التهديد إنصافا للمدرسة وقدسية رسالتها.

آخر الأخبار