تبون النافخ في أبواق الحرب ضد المغرب !

الكاتب : الجريدة24

22 مارس 2023 - 02:00
الخط :

من يدفع بالجزائر نحو السلاح بدل السلام؟

رغم ارتفاع الأصوات المحذرة من خطر تزايد توجه الفاعلين الدوليين حكومات، وجماعات مسلحة إجرامية وإرهابية إلى استخدام القوة أو التهديد بها لحسم الخلافات، فإن العالم يشهد تصاعدا لافتا في عدد النزاعات المسلحة، وبؤر التوتر المحتمل تحولها إلى صدامات عسكرية، خصوصا وأن إيديولوجيات عدوانية متعارضة تغذي هذا التوجه وتنفخ فيه استنادا على ما تدعيه من أن التجارب الدولية قد أثبتت استحالة التعايش إلى الأبد بين مجتمعات تمتلك معتقدات دينية مختلفة، أو طموحات سياسية متضاربة.

وعلى هذا الأساس، وفي ضوء استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، التي أنهت عامها الأول من دون بصيص أمل في وضع حد لها لم يعد الحديث عن إمكانية اندلاع حروب مدمرة في هذه المنطقة من العالم أو تلك أمرا مستغربا، إذ يبدو أن المجتمع الدولي قد تعود على سماع مثل هذا الحديث، وبدأ يتعايش معه أيضا.

وقد جسدت هذا التعود مؤخرا تصريحات نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري ميدفيدف عن اقتراب العالم من اندلاع حرب عالمية ثالثة، وكذا قيام شخصيات إعلامية مقربة من الكرملين بتبديد أي أمل في نهاية قريبة للحرب في أوكرانيا، إذ لم تحرك هذه التصريحات رغم خطورتها حمية الشخصيات والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية المعهود فيها التحرك بحكم مبادئها أو بحكم وظائفها من أجل السلام وإخماد بؤر التوتر.

إن عجز أصوات السلام وتواريها إلى الخلف لا يعني غياب تحركات دبلوماسية من جهات متعددة مهتمة بالصراعات والبؤر الساخنة، ولكن يبدو أن معظم هذه التحركات تسعى لتأجيج نيران النزاعات لا لإخمادها. ففيما يخص الحرب الروسية الأوكرانية تحركت الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة الأمريكية في اتجاه مواصلة إمداد الأوكرانيين بما يحتاجونه من أسلحة لمواجهة الغزو، فيما تواصل موسكو التحرك بحثا عن التزود بالمزيد من الأسلحة، وإبرام تحالفات جديدة وترسيخ أخرى قائمة، دون استبعاد فرضية فتح جبهة قتال أخرى انطلاقا من روسيا البيضاء لصد ما تسميه تمدد الناتو إلى حدودها.

ولهذا باتت أخبار الحروب والمواجهات المسلحة المندلعة عبر العالم، وكذا أخبار الساحات الملتهبة والساخنة الجاري تأجيجها تحظى بالنصيب الأكبر من اهتمام وسائل الإعلام الدولية، التي تتابع كل المعلومات المتعلقة بها بدءا من الميزانيات المرصودة للجيوش، وتعداد ووصف الأسلحة المستخدمة فيها، أو المتوفرة لدى أطرافها، وقوة الفتك الكامنة في مكوناتها، مرورا بتحليل التطورات الميدانية واستشراف مستقبلها، وصولا إلى إحصاء الخسائر المادية الناجمة عنها، والمآسي الإنسانية التي خلفتها أو ستخلفها.

ومن الطبيعي في إطار هذه الأجواء المشحونة بالتضارب الحاد للمصالح، وبتنامي مشاعر الكراهية والعداء عبر العديد من أرجاء العالم ألا تظل الحرب الروسية على أوكرانيا وحدها المستقطبة للاهتمام الدولي، إذ يلاحظ تصاعد مثير في نسبة التوتر في العديد من النزاعات ذات البعد الدولي، وكذا ذات الأبعاد الإقليمية والمحلية مصحوبة بتكهنات عن اقتراب اشتعالها، وبتحذيرات من الانعكاسات السلبية لذلك إذا ما حصل.

في هذا السياق يتابع العالم بقلق كبير الأنباء المتواترة من شرق القارة الآسيوية عن إمكانية حدوث صدام مسلح رهيب بشأن مستقبل تايوان، وما يحمله من دلالات عما يشاع عن وجود نزعة توسعية للصين في عموم المحيط الهادي، وضد ما باتت تمثله الترسانة العسكرية المتنامية لكوريا الشمالية والاستفزازات الصادرة عنها من مخاطر وتحديات لكافة دول المنطقة.

ولا تقل شأنا وإثارة للقلق ما يلاحظ من سعي النظام الجزائري المحموم للتحرش بالمغرب واستفزازه، مستخدما كافة الوسائل الإعلامية والدبلوماسية لتبخيس مبادرات الرباط السلمية المتكررة الهادفة إلى نزع فتيل التوتر بين البلدين، ناهيك عن إصراره على فرض سباق للتسلح في المنطقة مستنزف لإمكانياتها، وذلك بزيادة قياسية غير معهودة في إنفاقه العسكري، وعن إغلاق الباب أمام أي مساع حميدة أعربت دول شقيقة عن الاستعداد للقيام بها. وقد كان تصريح الرئيس الجزائري مؤخرا عن وصول علاقات بلاده مع المغرب إلى نقطة اللاعودة خير دليل على نزعته العدوانية الساعية إلى تفجير المنطقة.

وما يزيد الطين بلة في هذا الإطار هو إسهام أبواق إعلامية محلية في البلدين معا مدفوعة في الغالب بمن يدعمونها ويمولونها من الخارج في تأجيج الأوضاع ودفعها نحو الانفجار الذي يبدو أن قوى دولية وإقليمية أخرى تأمل في وقوعه قريبا لاعتقاد بعضها أن ذلك يخدم مصالحها الاستثمارية والسياحية، فيما يرى البعض الآخر في أي نزاع مسلح بالمنطقة فرصة لاستعادة نفوذه السياسي وهيبته المفقودة، وأيضا رتبته الأولى في التبادل  التجاري مع بلدانها.

ورغم هول ما يسعى إليه النافخون في أبواق الحروب، إلا أن ما يفعلونه هو تجسيد لما قاله الكاتب نجيب محفوظ عن أن “الحرب ترفع كثيرين من السفلة. وفيما يبدو هم يبحثون عن النجاح بامتياز  في زمرة السفلة.”

 

*عبد القادر زاوي

دبلوماسي متقاعد، سفير المغرب السابق في عدد من الدول العربية، مؤلف وكاتب عمود على مجلة المجلة

آخر الأخبار