العثماني: غياب الخطاب السياسي وعدم القدرة على ضبط الأغلبية

الكاتب : الجريدة24

05 يونيو 2019 - 09:40
الخط :

قبل أيام قدم سعد الدين العثماني، حصيلة حكومته المرحلية، حيث عدد ما اعتبره إنجازات الأغلبية التي تضم 6 أحزاب في صفوفها. من بين ما جاء رئيس الحكومة على ذكره في هذا الإطار، نجد تأكيده على إقرار برنامج التغطية الصحية الخاصة بالمهن الحرة، الذي ظل ينتظر منذ سنة 2005، بالإضافة إلى إخراج ميثاق اللاتمركز الإداري إلى حيز الوجود، والذي ورد في 17 خطاب للملك محمد السادس.

وعرج العثماني على عدد من المؤشرات الدولية، التي منحت بحسبه للمغرب مراتب متقدمة، ومن بينها تقرير سهولة الأعمال الذي احتل فيه المغرب المرتبة 60، وتقدم المملكة في مؤشر التنافسية العالمي لسنة 2018 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بمرتبتين مقارنة مع السنة الماضية، كما احتل المغرب حسب العثماني، المرتبة 65 عالميا في مؤشر ريادة إدارة الأعمال من أصل 137 بلدا شملها التقرير السنوي للمعهد العالمي لريادة الأعمال والتنمية لسنة 2018، متقدما ب5 مراكز مقارنة بسنة2017 وب17 مركزا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.

تصريحات العثماني المرتبطة أساسا بالدفاع عن حصيلة حكومته لاسيما عبر الاعتماد على مؤشرات رقمية، تجعله في موقعه الطبيعي على رأس الجهاز الحكومي، كما أن انتقاد المعارضة للحصيلة يجعلها في موقعها الطبيعي، على اعتبار أنها تعارض التصريح الحكومي الذي تقدم به الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية".

هذا الوضع لا ينفي وجود عدد من الإشكاليات في خطاب سعد الدين العثماني، يمكن تلخيصها أساسا في نقطتين. الأولى تخص الخطاب السياسي للعثماني نفسه والنزوع نحو خطاب ذي صبغة تكنوقراطية تعتمد على المؤشرات والأرقام الخالية من كل من مضمون سياسي، والنقطة الثانية تتعلق بمحاولة العثماني -ولكن دون جدوى- نفي وجود صراع قوي داخل الأغلبية الحكومية يحركه أساسا الصراع حول انتخابات لن يأت وقتها إلا بعد سنتين ونصف.

يحاول العثماني أن يتصرف مثل رئيس حكومة دون انتماء سياسي يعمل على تدبير مشروع اقتصادي محدود في الزمان والمكان، ويتصور وكأن مهمته تدبيرية فقط تتجلى أساسا في حل الأزمات وجلب بعض المكتسبات الجزئية للمواطنين أو فئات منهم. في المقابل، ولاسيما في السياق المغربي المتسم بوجود مرحلة انتقالية في المسار الديمقراطيفإن مهمة مؤسسة رئاسة الحكومة تتجلى أساسا في لعب دور الوساطة بين الدولة والمجتمع وهذا لن يتأتى إلا من خلال خطاب ذو مضمون سياسي يمكن للمواطنين أن يتفاعلوا معه وليس من خلال "اللعب بالأرقام" دون السقوط طبعا في فخ الشعبوية.

في ذات الإطار، يجب التذكير بأن بقاء الخطاب منحصرا في الإحصائيات والمؤشرات يجعل مؤسسة رئاسة الحكومة أشبه ما يمكن بمؤسسة إحصاء. هذا لا يعني طبعا عدم الاستعانة بالأرقام وليس باعتبارها محور الخطاب وإنما فقط بكونها عنصرا في الحجج التي يعتمد عليها الخطاب، وهنا يتجلى الفرق بين تقييم وتدبير السياسات العمومية التي تعد عملية سياسية بامتياز وبين الإحصائيات التي لا تخرج عن كونها عملية تقنية.

إن الاعتماد على خطاب جاف خالي من الإيديولوجيا لن يؤدي سوى إلى تبخيس وتهميش الفعل السياسي لدى المواطنين، وبالتالي تفقد العملية السياسية ككل دورها التأطيري والوسائطي بين الدولة والمجتمع.

الإشكالية الثانية في خطاب العثماني تتجلى في نفيه المتكرر لغياب التجانس الحكومي، إذ صرح أمام النواب مثلا بأن "الحكومة... تتمتع بحد مقبول من الانسجام والتماسك، لا يضيرها ما قد يصدر من حين لآخر من تصريحات أو مواقف من المؤسسات الأخرى، ولا ينبغي لها أن يضيرها ذلك"، معتبرا أنه "لولا هذا الحد المعقول التماسك والانسجام لما أمكنها تحقيق هذه الاصلاحات التي طال انتظارها" !!

والواقع أن حكومة العثماني لا تحتاج إلى تعداد الحجج من أجل التأكيد على عدم تماسك أغلبيتها، وهو الأمر الذي يمكن استخلاصه انطلاقا من عدد من المؤشرات، لعل أبرزها التراشق الكلامي الذي تحول إلى قاعدة بين مجموع الأحزاب الأربعة التي يقودها التجمع الوطني للأحرار (الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية) مع حزب "العدالة والتنمية" من جهة و"التقدم والاشتراكية" من جهة ثانية، وهو التراشق الذي وصل في بعض الأحيان إلى مستويات غير قياسية.

يجب الاعتراف بأن الحكومة لا تلقى معارضة من أحزاب المعارضة نفسها، وإنما تلقى معارضة شرسة من طرف أحزابها إذ سبق وأن وجه قياديون في حزب التجمع مثلا اتهامات ثقيلة لحزب العدالة والتنمية قائد الائتلاف الحكومي. وهذا الوضع هو الذي دفع أحزاب الأغلبية إلى عدم التوافق على تقديم مساهمة مشتركة بشأن المساهمة في إعداد النموذج التنموي.

إن رئيس الحكومة غير قادر اليوم على ضبط الأغلبية وهذا أصبح أمرار واقعا، كما أن خطابه يخلو تقريبا من المضمون السياسي إلا نادرا، وهو ما يزيد في تعميق أزمة الوساطة الموكولة لكل المؤسسات التمثيلية، والهيآت التأطيرية.

آخر الأخبار