فاس: رضا حمد الله
انتشر الخبر سريعا بين سكان الحي. الكل يتداول فاجعة غير مسبوقة تسبب فيها ملتح قطع رأس أمه وطاف به في الشارع العام". خبر نزل كالصاعقة على الجميع. كل من سمعه وقف مشدوها لوقعه على النفوس. قلوب الجيران، سكنها الخوف من عودة الابن الهائج للانتقام منهم وبقية أفراد العائلة.
الجارة أول من عاينته ماسكا الرأس بيسراه والسكين بيمناه. سمعت صراخ جارتها الستينية واستنجادها بالجيران، فقصدت منزلها لاستقصاء الأمر. كانت الباب محكمة الإغلاق، ولم تنفع دقاتها عليه في كبح اندفاع شاب ثلاثيني هائج. لم يتفاعل مع ندائها بفتح الباب، وأيقنت أنه بصدد الإجهاز على أمه.
عادت الجارة أدراجها وهي تصرخ وتستنجد بكل من تجده في طريقها لإخبار زوجها وابن الضحية الأصغر. لكن أوان الإنقاذ كان قد فات. استدارت إلى الخلف وهي جارية كمن مسها جن، لتجد الابن الملتحي حاملا رأس أمه ويجري في اتجاهها، صورة لن تنمحي من ذاكرتها مهما حاولت، كما خوفها الشديد من أن يلحق بها ضررا هي الأخرى. لم تكن قادرا على غير الصراخ.
- ساعدوني، أوقفوه قد يؤذيني ويؤذيكم. انظروا إنه يحمل رأس الحاجة.
هكذا كانت تصرخ وهي فارة خوفا تستجمع ما تبقى من شجاعة في نفس منهارة. كل الأسماء نادت عليها لعل وعسى يتدخل أحدهم. لكن غالبيتهم كانوا في منازلهم، إلا من شباب انتبه لحالتها والصورة المقززة التي عليها الملتحي، ولاحقوه. لكنه تمكن من الفرار إلى موقع خلاء مجاور للمدينة. وكثير منهم تحاشى مواصلة ملاحقته، خوفا.
الملتحي ثلاثيني لم يكن يجرأ حتى على النظر بتمعن لمن يلاقيها، فبالإخرى قتل أمه وفصل رأسها عن جسدها والطواف به. "الذئاب الملتحية" غسلت دماغه وجرته إلى مستنقع آسن لم يخرج منه رغم محاولات العائلة. حياته تغيرت كليا من شاب مقبل على الحياة، إلى منغلق على نفسه كاره لكل شيء حتى محيطه، سيما منذ أسدل شعر لحيته الكثيفة.
قبل عقد ونصف اعتقل ضمن خلية إرهابية وحوكم وحكم ب10 سنوات سجنا أنهاها وضاعت من حياته، وعاد لنفس الطريق دون أن يفكر في توبة تأرجح كفة عقله على اندفاعه كان كل أفراد عائلته يتوقعون نهاية مأساوية لحاله. فقد أصبح انطوائيا لا يخالط الناس، وإن جالس أحدهم تخاصم معه بسبب تشدده وطريقته في النقاش، ما جعل الكثيرين حتى من عائلته، يتحاشونه تلافيا للأسوء.
انطوائيته جعلته أكثر عزلة عن الناس لا يخالطهم وهم يتحاشون مخالطته، حتى اسمه سار عنوانا مرفوضا بالحي المقبل أبناؤه على الحياة أو عملهم بعيدا عن كل أسطوانات النهي عن المنكر والتحليل والتحريم التي كان يحاول في كل مرة أن يشنق بها مسمع من يلتقيه صدفة ولا تنجح محاولات تحاشي طريقه.
هذا الوضع زاد تأثيرا على نفسيته المهتزة في أصلها بسبب تراكم مشاكله وغسل دماغه وإعادة شحنها بما جعله قنبلة قابلة للانفجار. وتراكمت الخيبات ومعها تدنت نظرة الناس لحالته، فدخل في دوامة مشاكل نفسية جعلته أكثر عصبية واندفاعا في تعامله مع الجميع بمن فيهم عائلته التي حاولت عبثا إعادته للسكة الصحيحة بعلاجه لدى طبيب نفساني. لكنه لم يكن يواظب على تناول دوائه بانتظام ما أزم حالته.
في الأيام الأخيرة كثرت مشاكله وتصرفاته الطائشة. أحرق حديقة مجاورة لمنزل العائلة، وألهب قلب أمه الستينية بكثرة العتاب وسبها المتكرر وعدم احترامها كما كان. أما باقي أفراد العائلة فكانوا يجدون لسلوكه غير السوي، مبررا في مرضه، وطالما منوا النفس بعلاجه التام بشكل يعيده إليهم كما كان صغيرا وفي شبابه. لكن لا شيء من حلمهم تحقق، ولو انهم ما توقعوا ما قد يحدث من مأساة.
في ذاك اليوم المشؤوم كان الملتحي وحيدا مع أمه في منزلها، وجدد عتابه لها دون سبب مقنع. حاولت مجاراة نقاشه العقيم بشكل هادئ، لكن هدوءها قابله بفوران أعصاب ستحرق كل شيء. طال حديثهما واضطرت الأم لدخول غرفتها لتحاشي مزيد دغدغة أعصابها. هروبها من النقاش لم يرضيه فتعقبها ليلحق بها بباب الغرفة أثناء محاولتها إحكام إغلاقها كما لو أنها كانت تتوقع الأسوء. كانت تصرخ دون أن يسمعها أحد إلا من جارة لا حيلة لها عليها.
كان الملتحي يخفي بين لحمه وسرواله التقليدي العريض، سكينا. يبدو أنه كان على أتم الاستعداد لارتكاب مجزرة وأعد لها. وبعد أن خنق بيده اليسرى أحكم بها قبضته على عنقها، ضربها مرات متعددة في أنحاء مختلفة من جسمها من البطن إلى العنق دون أن تنفع مقاومتها في شيء، إلى أن خارت قواها ولم يعد يسمع لها صراخ ولا أنين. لم يتوقف حينها عن إيذائها وهي طريحة الأرض، بل شرع في فصل رأسها عن جسدها إلى أن تمكن من ذلك قبل أن يفتح الباب ويغادر المنزل في اللحظة نفسها التي كانت فيها الجارة تستنجد بالجيران والمارة طلبا للتدخل وإنقاذ حياة أم الملتحي.
في الوقت الذي كان الجاني قد فر من مسرح الجريمة، حضرت عناصر الشرطة وضربت حراسة على المنزل، في وقت كانت فيه عناصر الشرطة العلمية والتقنية ونظيرتها القضائية، بصدد القيام بالمتعين داخل الشقة مسرح الجريمة حيث كانت الأم جسدا بلا رأس ممددة على ظهرها وسط بركة دم غسلتها قريباتها بعد انتهاء إجراءات البحث الذي لم ينتهي بالخروج من مسرح الجريمة.
تعقبت عناصر الشرطة الجاني والطريق التي سلكها للفرار، ولم تجد له أثرا. لكنها عثرت على رأس أمه وقد تخلى عنه في موقع خلاء في محيط المدينة. ومرت أياما والجاني في حالة فرار، وبحث الأمن متواصل عنه، إلى أن وجده مارة صدفة هائما وسط الأزبال بمطرح عشوائي بمكان غير بعيد عن حيث عثر على رأس أمه.
حاصروه وتمكنوا من شل حركته وأوقفوه وسلموه لعناصر الشرطة للبحث معه بأمر من الوكيل العام الذي أمر بوضعه بمستشفى للأمراض العقلية للتثبت من قواه العقلية وما إذا كان يعاني من خلل عقلي، فيما أمرت المحكمة بإجراء خبرة طبية عليه أثبتت أنه فاقد للمسؤولية الجنائية في توقيت ارتكابه تلك الجريمة البشعة.