قتلة الأصول... قتل أباه بعكازه وافتعل انتحاره

الكاتب : الجريدة24

04 يوليو 2023 - 05:00
الخط :

فاس: رضا حمد الله

انتشر الخبر سريعا بين سكان الدوار. كل من وجد به حينها، قصد المكان للتأكد من صحته. "الحاج شنق نفسه" عبارة لاكتها كل الألسن وتداولتها وشاع الخبر ووصل حتى لمن يقطن بعيدا. وسائل الاتصال المتطورة، ساعدت في انتشاره أينما وجد من تشم منه رائحة الانتماء لهذا التجمع السكاني الثابت على أصالة أهله وعاداتهم المتوارثة.

كانت جثة الحاج متدلية معلقة بحبل قنب ملفوف على عنقه ومثبت في غصن شجرة زيتون بحقل غير بعيد عن سكناه. رجلاه كانتا على مشارف الأرض. لم يجرأ أحد على الاقتراب منه قبل حضور عناصر الدرك. حتى ابنه الأربعيني وابنته الأصغر وزوجته المسنة، لم يسمح لهم بلمسه أو الاقتراب منه. كل الاحتياطات اتخذها بعض الشباب الحاصلين على شواهد لم تكفي لتذويب واقع عطالتهم. كانوا واعين بلزوم ذلك حفاظا على ما قد يتوفر للمحققين من أدلة كاشفة لحقيقة انتحاره من عدمه. قد يكون الانتحار مفتعلا، هكذا تداولوا بينهم.

انتحاره لم يتقبله أحد من ابناء الدوار، ولا استساغوه. لم يكن يعاني من اضطرابات نفسية قد تدفعه لذلك، ووضعه الاجتماعي عاد كبقية ناس الدوار. رغم أن عمره فاق الثمانين، فإن صحته كانت تسمح له بالقيام بأشغال فلاحية يومية واظب عليها، حتى أنه قليلا ما كان يعتمد على ابنه المستقر معه دون اثنين جذبتهم المدينة حيث يستقران بعيدين عنه دون أن ينتهي حنينه إليها.

انكبت عناصر الدرك على معاينة الجثة وصورتها وأنجزت محضرا بذلك. استمعت لابنه وشقيقته الأصغر ووالدتهما، فلم يفيدا في شيء غير أنه خرج صباحا قاصدا الحقل ولم يعد إلى أن عثر على جثته معلقة. الابن وحده كان رفقته، قال للدرك إنه تركه هناك وعاد للمنزل للتزود بالماء، ولما عاد وجده على تلك الحالة. رواية صدقها الجميع وحتى المحققين ولو انتابهم شك انتظروا دليلا يمحيه أو يزكيه.

نقلت الجثة لمستودع الأموات وعم الحزن الدوار. الجميع قام بواجب العزاء. وتلك عادة متأصلة، الموت يجمع الكل حتى المتخاصمين. هو مناسبة للصلح بين الناس كما الأفراح والأعياد. ناس الدوار حافظوا على حسن العلاقات بينهم. وحتى لو تخاصموا لا يطول خصامهم أكثر من أيام معدودات يذوب بعدها.

قضت الجثة يومان بمستودع الأموات. شرحها الطبيب الشرعي وأنجزت تقريرا وضعه على طاولة مكتب الوكيل العام. سجل ملاحظاته واستنتاجاته ولما عاينه بالعين المجردة والطرق العلمية المعروفة في التشريح. كان قفا الحاج يحمل زرقة متسعة الحجم، نتيجة ضرب بأداة خشبية. لم يعاين اي علامة من علامات الانتحار المعروفة.

لم يكن على الجثة أثر ضرب أو عنف إلا مما في قفاه. الطبيب استنتج في تقريره أن الموت ناتج عن نزيف داخلي سببه الضربة. لقد تأكد أن الحاج لم ينتحر، إنما توفي مقتولا. حقيقة أعادت البحث إلى نقطة الصفر. من قتل الحاج وكيف ولماذا؟... أسئلة حاول المحققون إيجاد أجوبة مقنعة لها. ولأجل ذلك انطلق بحثهم من محيطه العائلي. الابن أول من استمع إليه باعتباره كان رفقته. لكنه أنكر وكرر نفس أسطوانة وجوده بالمنزل، محاولا اتهام أخته لم تكن حينها في المنزل. لكن الأم أفادت بوجودها عند الجارة وعدم عودة الابن كما ادعى.

ووجه الابن بهذه الأقوال، وساءله الضابط من جديد عن توقيت مغادرته الحقل ووجوده بالمنزل، ودقق معه في ذلك وكرر السؤال مرات، إلى أن كشف تناقضات ووجه بها وبشهادة أمه وأخته المؤكدة لوجود سوء تفاهم بينه ووالده بسبب إصراره على تمكينه من قطعة أرضية هبة لتأمين مستقبله. كل الأدلة كانت تؤكد أن الابن قد يكون قاتل أبيه. وبمحاصرته بمعطيات دقيقة لم يجد من مهرب غير الاعتراف بما اقترفت يداه في حق أب عاشت تلاوين المعاناة لأجل أن يدرس أبناؤه ويبنوا مستقبله. اثنان منهم نجحا وهو فشل في استكمال دراسته ولم يحصل على مؤهل علمي يخول له الحصول على عمل.

في ذاك اليوم توجه الأب للحقل لتشذيب الأشجار، والتحق به ابنه وتجدد نقاشهما. أصر مجددا على إثارة موضوع الهبة وتجدد رفض الأب لأنه يرفض أن يميز بين أبنائه إلا إذا توافقوا ومنحوها إياه برضاهم. رفض الأب لم يرضيه وتلاسن معه وفارت أعصابه.

تناول عصا يتكئ عليها الأب، وضربه وهو بهم يالجلوس. كانت الضربة قوية في قفاه وكافية لإزهاق روحه. لم يكن ينوي قتله. ولما تيقن من وفاته حمله وافتعل انتحاره وغادر المكان قبل أن يعود متظاهرا بالعثور على جثته منتحرا وعدم علمه بما حل به. لكن حبل الكذب كان قصيرا وسرعان ما انفضح أمره ليقر بالمنسوب إليه ويحال على الوكيل العام ويشرع في محاكمته قبل الحكم عليه ب25 سنة سجنا نافذة رهنت بقية عمره وراء قضبان زنازين السجن.

آخر الأخبار