قصة سبعة رجال: القاضي عياض.. الذي لولاه ما عرف المغرب

الكاتب : الجريدة24

12 مارس 2024 - 04:00
الخط :

قصة سبعة رجال: القاضي عياض.. الذي لولاه ما عرف المغرب

 أمينة المستاري

ارتبط اسم مدن مغربية بأسماء رجالها، سواء الصالحين أو الفقهاء والعلماء والمتصوفين، ممن اضطلعوا بدور مهم في نشر الوعي الفكري والسياسي والصوفية.

بمراكش المدينة الحمراء أو مدينة "سبعة رجال"...اعتبرت مدفن مجموعة من الفقهاء والصالحين، استطاعوا من بين المئات من الصالحين أن يفرضوا تواجدهم، حيث يقال بمراكش أن " كل قدم بولي" دليلا على المئات من الأولياء، وكاد كل حي يرتبط باسم ولي صالح.

« لولا القاضي عياض لما عرف المغرب »...قولة تلخص مكانة أحد رجالات مدينة مراكش السبعة. الذين عرفوا بنزاهتهم وبراعتهم في الأصول و الكلام، فقد اجتمعت فيه كل الخصال النبيلة، فهو الكاتب والخطيب البارع في أيام السلم و الحرب، متواضع يكره النفاق والتملق، معتز بنفسه، كريم ويحب أهل العلم، اشتغل كقاضي في غرناطة وسبتة قبل أن ينتقل إلى مراكش ويصبه واحد من أهلها.

القاضي عياض بن موسى اليحصبي ولد بسبتة سنة 476 للهجرة، كان أسلافه قد سكنوا مدينة بسطة نواحي غرناطة، قبل أن ينتقلوا إلى فاس ومنها سبتة، هناك تمكنت من أن تحضى بسمعة جيدة لصلاحها وتقواها، وهناك ولد القاضي عياض وحضي بتعليم جيد وجالس العلماء وذاع صيته بعد أن اعتبر من أئمة عصره، ومكنته مكانته العلمية من اعتلاء منابر الإفتاء وتصدر مجالس المناظرات وهي في سن صغيرة 28 سنة، قبل أن يتولى منصب القضاء في 35 سنة.

كانت سبتة في ذلك الوقت تحت حكم المرابطين، التي كان لها الفضل في نشر الإسلام في غرب ووسط القارة الإفريقية، يجل حكامها العلماء والفقهاء، ففي ظلها تعلم وتمهر عياض، وأصبح من كبار قضاتها، قبل ضعفها وأفولها.

جال شيخ الأندلس والمغرب، القاضي عياض، وتنقل بين حواضر الأندلس طلبا لسماع الحديث والتصق بشيوخها كابن الحاج وابن عتاب وابن رشد...قبل أن يرحل إلى المشرق ويصبح من علماء الحديث والفقه والسنة، ثم عاد إلى سبتة ليدرس طلاب العلم، قبل أن يصبح قاضيا .

حمل لقب القاضي بعد أن عرف عنه نزاهته ووقفوه موقف الحق والعدل ولو كان أحد المتقاضين شخصية نافذة أو ابن حسب ونسب، فقد تصدى القاضي لهذه الآفة وأبدى حزما في تطبيق الحدود والأحكام، وكان يرفض أي تدخل من الأمير تاشفين بن علي في عمله، مما جعله يحضى باحترام وثقة الساكنة سواء في غرناطة وسبتة أو في مراكش، فالرجل عالم رباني عالم بأصول الفقه واللغة وباقي العلوم، وكان مؤلفا بارعا حيث خلف مجموعة من الكتب والمؤلفات في الفقه وتفسير الحديث....على رأسها كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى".

نظرا لمواقفه الثابتة عزل من القضاء من طرف علي بن يوسف سنة 532هـ، قبل أن ينصبه تاشفين بن علي إلى منصبه بعد أن احتاج لرجال صالحين أثناء اكتساح جيوش الموحدين لولايات المغرب.

وصف القاضي عياض بكونه حسن المجلس، كثير الحكاية، عــذب الكــلام مليـح المنطـق، حلو الدعابة لين الجانب، صبورا حليما، كثير الصدقة والمواساة، كثير المطالعة لايفارق كتبه كثير البحث عن العلم.

ورغم أن القاضي عياض ليس ابن مراكش، إلى جانب خمسة رجال آخرين، فهو استقر بها بعد أن استقبلته المدينة واحتضنته واعتبر أحد أبنائها، وذلك ليس غريبا على مراكش التي تحتفي بالغريب حتى يصبح من أهلها، بعد أن يستقر بالمدينة ويعشقها.

كان تشبث القاضي بمواقفه ورفضه الاعتراف بكون ابن تومرت المهدي المنتظر سببا في مقتله بالرماح ، وقطع جسده ثم دفن دون جنازة وبنيت جواره كنيسة بعد منح الأرض للمسيحيين، ولم يعثر على قبره إلا في عهد الدولة المرينية حيث أمر القاضي أبو إسحاق بن الصباغ بتسوية ما حول قبره وإطهاره وصلى عليه أهل مراكش مرات عديدة ترحما عليه.

آخر الأخبار