قتلة الأصول... قتل أمه بسبب سجائر وانتحر

جريمة مؤنثة... عجوز قتلت ابنتها وادعت انتحارها

الكاتب : الجريدة24

05 يوليو 2023 - 01:00
الخط :

فاس: رضا حمد الله

رسمت الجارة دقات خفيفة على باب منزل جارتها. لم تتجاوب مع استئذانها، فنادتها باسمها. لكنها لم تجبها. رفعت من قوة الدقات، دون جدوى. اعتقدت أنها نائمة، ففتحت الباب ودخلت. أبواب البدو مفتوحة لا تقفل إلا ليلا، دليل كرم وثقة. ما زالوا محافظين على حسن الجوار والعلاقة الطيبة مع من يقطن جوارهم. لا مجال للرسميات في التعامل بينهم.

تقدمت بخطوات متثاقلة وهي تناديها باسمها، ولا تجاوب. لم تكن موجودة وسط ذاك المنزل الطيني المسقف بالقصدير. بحثت عنها حيث يمكن أن تكون. ولما لم تجدها دخلت غرفة نومها. كان بابها مفتوحا، فتقدمت إلى الداخل. وقفت بالباب وأطلت للداخل، ثم صرخت وارتفع منسوب صراخها تدريجيا. لكن لا أحد يسمعها.

- وا عتقو الروح

استنجدت بمن لا وجود لهم في الفضاء، وهي تتحسس أطراف وقلب الجارة. لكنها لم تتجاوب. كانت في غيبوبة والدم سائل من رأسها. لم تنتظر وخرجت مهرولة وهي تصيح بنفس العبارات. صوتها سمع من بعيد. وبدأ تقاطر الجارات والجيران، غالبيتهم عادوا لتوهم من السوق الأسبوعي. هو موعد للتبضع لا يفوته أهل القرى. فمن السوق يتبضعون بحاجياتهم الأسبوعية من الخضر والفواكه وكل المستلزمات.

الجارة بدورها كانت عادت بدورها من السوق بمركز الجماعة والبعيد بكيلومترين عن الدوار. تعودت كل أسبوع على ارتياده على ظهر حمارها تستعمله للتنقل وحمل ما تتسوقه وفي أشغال فلاحية مختلفة. هذا الحيوان دوره رائد هناك. كانت سليمة لما عادت، فما الذي حل بها ومن جرحها في رأسها؟. هكذا تساءل كل الجيران.

وقت تجمعهم كانت قد فارقت الحياة، فكان لا بد من إخبار عون السلطة. لم يحضر حينها لأنه بدوار آخر. لكن لم تمر إلا نصف ساعة حتى كان هناك مع عناصر الدرك. من قتلها، وكيف ولماذا؟. هذا ما حاول الجميع إيجاد جواب عنه. كان الجميع هناك، إلا ابنها العشريني لم يحضر، رغم أنه يستقر معها منذ طلقها والده بسبب مشاكل عائلية.

بحث الجيران عنه، فلم يجدوا له أثرا. حتى هاتفي الشخصي غير مشغل. أيكون سافر قبل ذلك؟. لا أحد اهتدى لجواب. لا أحد يعرف عنه شيئا. لقد كان انطوائيا، قليلا ما يخالط أبناء الدوار. عادة ما يلازم المنزل ولا يخرجه إلا لماما. لم يكن يشتغل ولا فكر في ذلك ولو بصيانة أرض متوارثة عائليا، يمكن أن يكون له منها دخل يساعد به نفسه، عوض أن يبقى عالة على أمه.

كانت الأم كل شيء في البيت، اشقى خارجه وتوفر مدخولا تعيش منه وابنه يسكنه الخمول. كثير الناس كانوا يلقبونه ب"ولد الفشوش" و"ولد ماماه" دليل اتكاليته. فقد دللته في صغره خوفا عليه، وعاش مدللا حتى وقد شب ومفروض أن يكون لها سندا ومساعدا، فاليد الواحدة لا تصفق.

تحول منزلها في تلك الظهيرة إلى قبلة لكل أهل القرية، معروفون دوما بتضامنهم وتعاونهم في الفرح والحزن. أما عناصر الدرك فقد أحاطوه مانعين الجميع من الاقتراب منه، لحين الانتهاء من الإجراءات القانونية من معاينات ومحاضر وتصوير للجثة قبل نقلها إلى مستودع الأموات بالمستشفى البعيد ب130 كلم عن الدوار، لأن ذاك الإقليمي لا وجود فيه لمصلحة الطب الشرعي، ما يضاعف معاناة السكان.

معاينة الدرك وقفت على وجود جرح غائر في رأس الضحية، كان سببا في إصابتها بنزيف دموى سبب موتها، بتزكية من تقرير التشريح الطبي. كما عثرت عناصره قربها على علبتي سجائر من نوع "كازا سبور" الرخيصة، وحجرة متوسطة ملطخة بالدم. كل ما عينوه ضمنوه في محضر أول من استهلوا به بحثهم بأمر قضائي. استمعوا للجارة شاهدة ولآخرين، فيما ظل غياب الابن محيرا للجميع.

مر أسبوع ولم يظهر للابن أثر، ولا أسفر البحث عن جديد. الابن حلقة أساسية والوصول إليه قد يفك لغز الجريمة. عدة معطيات تجعل منه مشتبها فيه رئيسي. غيابه وعلبتي السجائر المعثور عليهما. لقد دأب الأم على شراء سجائره بكمية أوفر تكفي لأسبوع بمعدل علبة كل يوم. أيكون للسجائر علاقة بالجريمة؟. فرضية استحضرتها عناصر الدرك.

مرت الأيام وذات خميس كان راع يرعى قطيعه بغابة على مشارف مركز الجماعة، وبينما هو يتجول بين الأشجار الكثيفة ويراقب قطيعه، عثر صدفة على جثة رجل معلقة في غصن شجرة بلوط. ارتباكه كان واضحا، ولم يجد من بد غير ترك قطيعه والجري في اتجاه أقرب دوار. صاح في الجميع، مخبرا وتجمع شباب رافقوا لحيث وجد الجثة، وعاينوها وأخبروا عون السلطة وللدرك وحضرت عناصره. وبعد المعاينة اتضح أن الجثة لابن القتيلة، تعرف عليه بعض من وجد بالمكان.

فتشت عناصر الدرك ملابسه وعثرت بالجيب الأيمن لسرواله على ورقة مطوية. فتحها الضابط وقرأ:

- لم أكن أنوي قتلها، أردت أن أخيفها وأصبتها. كانت عزيزة علي، هي كل شيء في حياتي. لا يمكن أن أعيش بدونها.

قرأها وغالبته الدموع ووقف ساردا يفكر فيما قد يكون حصل في ذاك اليوم بين أم وابنها عاشا تحت سقف واحدهما وفرقهما الموت أيا كان شكله، بسبب سجائر.

آخر الأخبار