قتلة الأصول... قتل أمه بالتبني خطئا

الكاتب : الجريدة24

06 يوليو 2023 - 11:30
الخط :

فاس: رضا حمد الله

انتشر الخبر سريعا بين جيرانها في ذاك الحي بقلب المدينة العتيقة. ماتت "أمي يطو" كما ناداها الكبار والصغار. كانت محبوبة لدى الجميع. تحسن بالأطفال وترعى قططا مشردة تطعمها كل يوم بما تيسر من أكل. لم تغلق بابها أبدا في وجه كل يطرقه طلبا لمساعدة أو استشارة. عاشتها حياتها كذلك وذاك ما عهد عليها منذ استقرت هناك قبل 3 عقود، قادمة من مسقط رأسها بقرية في الأطلس المتوسط.

موتها فاجأ الجميع. رغم بلوغها السبعين، لم تكن تظهر عليها علامات مرض قد يتسبب في موتها المفاجئ. لكن حيرة الجميع ستتبدد بدخولهم منزلها اختتق بمن فيه من جارات باكيات لفراقها. الحالة التي كانت عليها، توحي أن موتها ليس عاديا. كانت على ظهرها بممر بين غرف منزلها، والدم في الجانب الخلفي لرأسها قرب أريكة.

كان ابنها الخمسيني جالسا قرب رأسها يبكي بحرارة. لم يستطع الرد على أسئلة جاره ولم يتجاوب معه وهو يحدثه ويحاول أن يواسيه. كان يكتفي بالنظر بعينيه الدامعتين، إلى من يعزونه في فقدانها المفاجئ، قبل أن يخفضهما في خجل. لا أحد فهم ما حصل، وصمته رهيب لا أحد فهم سره وسببه.

الحالة التي عليها جثة الأم، تثير الشك. ولبتر حباله، كان لا بد من ربط الاتصال بمصالح الأمن. ثمة أشياء غير مفهومة ويلفها الغموض، قد تكون الوفاة غير عادية. لم تمر إلا مدة قصيرة، حتى حضرت عناصر الشرطة. مقر الدائرة قريب من منزل "أمي يطو". كان لا بد من إخفاء المنزل ممن فيه، كي تمر الإجراءات في جوها الطبيعي. فقط الابن بقي هناك وعلى نفس الوضع والحالة.

التقطت للجثة صور، وأنجز محضر ضمنه ضابط الشرطة القضائية معايناته لما عليه وما عليها من جروح. وانكبت عناصر الشرطة العلمية والتقنية، على جمع ما يفيد في البحث من أدلة. عبثا حاولت عناصر الشرطة معرفة ما حدث وتسبب في موتها المفاجئ. الابن كان ما يزال تحت وقع الصدمة  التزم الصمت وسكت عن الكلام المباح لما أدركه صباح فقدانها وهي التي رعته.

لم تلده من رحمها، فقد كانت عاقرا ولم ترزق بذرية رغم زواجها مرتين. عقمها سبب طلاقها منهما، قبل أن أقرر العيش وحيدة بعيدا عن ذكور لا يرون في المرأة، إلا للمتعة ورحما للإنجاب. وكي تبدد خلوتها الأبدية، تبنته قانونيا. لم تكن تعرف أمه وأباه، فقد جلبته من الخيرية. ولم تفكر يوما في معرفة أصله. هو ابنها ولو لم تلده.

كانت تخاف عليه من هبوب ريح. وهو أيضا أحبها ولم يكن على علم بكونها ليست أمه البيولوجية. لقد وفرت له ما قد لا توفره أم ولدته وتخلت عنه منذ خرج من رحمها. الله وحده أعلم بظروفها وكيف حبلت به. المعزة والمحبة كانت متبادلة بين الأم وابنها بالتبني، لذلك حزن كثيرا لفراقها.

مرت ساعات واستعاد هدوءه تدريجيا، بشكل سمح لضابط الشرطة بأخذ إفادته حول ظروف وفاة والدته التي كانت جثتها حينئذ في مستودع الأموات بالمستشفى في انتظار تشريحها من طرف الطبيب الشرعي.

- أنا الذي قتلتها، لم أكن أقصد إيذاءها، دفعتها وسقطت وارتطم رأسها مع الأريكة.

هكذا اعترف تلقائيا بمسؤوليته في وفاتها، وإجهش بالبكاء من جديد، حتى أنه استحال إتمام البحث معه. ما لم يتم إلا بعد فترة استراحة حاول فيها الضابط مواساته وتهدئته. لقد اعترف بكل تفاصيل ما وقع وحرمه من أحن حضن في لحظة غضب لم يتمالك فيها أعصابه.

في ذاك اليوم كان يهم بالخروج للقاء أصدقاء له اقترحوا عليه مرافقتهم في جولة بالمدينة القديمة للتبضع. وهما واقفين في الممر على مقربة من الباب حيث أريكة صغيرة، عادة ما يجلس عليها كلما دخل الدار وأراد نزع أو ارتداء حذائه. طلب منها 500 درهم لشراء سروال وقميص. لم تكن تتوفر عليها. وأكدت له محفظة نقودها، فارغة إلا من 200 درهم تخفيها لأداء فاتورة استهلاك الماء والكهرباء.

لم يتعود على رفضها، وهي لم تعوده على رفض طلب. لذلك حاولت طمأنته بتمكينه من المبلغ. حالما تقترضه من جارتها. تقدمت إلى و ضعت يدها فوق كتفه مطئمنة. لكنها دفعها لتسقط ويرتطم رأسها بالأريكة. حاول بعدها إيقاظها دون جدوى. لقد ماتت ولم يعد له سلاح لمواساة نفسه، غير الدموع.

لم يتعب ضابط الشرطة خلال استنطاقه. اعترف تلقائيا بالمنسوب إليه، ساردا تفاصيل الحادث. وانتهت مدة حراسته نظريا وأحيل على الوكيل العام الذي أحاله على غرفة الجنايات لاعترافه التلقائي. وبعد عدة جلسات دامتها محاكمته، أدين ب10 سنوات سجنا نافذة بموجب قرار استأنف وأيد. وما زال يقضي العقوبة بالسجن، وقد أوشك على إنهائها ليغادره إلى حيث لن يجد أما تبنته وقتلها خطأ في لحظة غضب.

آخر الأخبار