قتلة الأصول... قتلت أباها بعدما عنفها

الكاتب : الجريدة24

15 يوليو 2023 - 06:00
الخط :

 فاس: رضا حمد الله

عقارب الساعة تشير للعاشرة والربع ليلة ذاك السبت، وهي لم تعد بعد للمنزل. والداها ظنت سوء في تأخرها غير المعتاد. اتصلت بكل من يقطن بتلك المدينة الجنوبية، من العائلة. لا أحد استقبلها ولا علم بمكان وجودها. حتى صديقاتها لم يكن على علم بمكان وجودها، بمن فيهم إحداهن تحججت بزيارتها مبررا لمغادرة المنزل زوالا.

قلق الأب يزداد بزيادة مدة غيابها، وأعصابه في حالة فوران. أما الأم فجلست تبكي وتندب، هي من حفزته على السماح لها بالخروج. سواء عادت أو لم تعد، فلن تسلم من تبعات غضب زوجها، ذاقت من ألمه الكثير وجسمها شاهد على ذلك. حائرة وضعت رأسها بين يديها، تسمع أسطوانة زوج لن يرحمها إن وقع سوء لابنتهما الوحيدة.

طال الانتظار وزادت الأجواء توترا في ذاك المنزل بحي هامشي على هامش المدينة. الساعة تقترب من الحادية عشر ليلا، ولا عادت، التوقيت لا يسمح بالخروج. المكان غير آمن والطريق إلى مقر الأمن والمستشفى بعيد ومحفوف المخاطر. لم يبقى لهما غير الصبر والدعاء. حتى الدموع لن تنفع ولن تعيد طفلة غائبة وربما مختفية وقد يكون حل بها مكروه.

لم تكمل ربيعها الثالث عشر بعد، ما زالت تتابع دراستها في الإعدادي. لكنها طائشة بشكل طالما بحثت أمها عن مبرر له في مراهقة يتغير فيها المزاج والسلوك. الأم كانت دوما لينة في تعاملها مع ابنتها وتختلق لها الأعذار. أما الأب حارس موقف السيارات، فكان صارما معها ومع أمها ولايتوانى في تعنيفهما لأتفه الأسباب أحيانا. لم يهتم أبدا لنصيحته زوجته، بتخفيف الضغط والمراقبة على ابنتهما واستبدال ذلك بزرع جو الثقة بينهما وفي نفسها. لكن لا شيء نفع ولا اهتم بكل النصائح وما قد يحدثه الضغط، من انكسار.

تمر الدقائق ثقيلة عليهما. تنتصف الساعة بعد الحادية عشر، فتسمع دقات خفيفة على الباب الحديدي للمنزل الوضيع. يهرول الأب لمعرفة من الطارق، فتنفتح الباب في وجه ابنته. بقدره فرحه بعودتها، زاد خوفه وغضبه. حيته وطأطأت رأسها وتقدمت إلى الداخل. لم يكلمها وظنت أنها نجت من عقاب شديد توقعته. كانت تعلم أن لون ليلتها سيكون بنفس سواد ظلامه.

استقبلتها أمها بالصراخ والسب، وتعقبها الأب ليرسم في جسدها، لوحة غضبه. كان يضربها بشكل عشوائي وأينما رست يده. لم يسألها عن سبب تأخرها، ولا توخى ذلك. لم يستحضر أي طارئ محتمل. غلب العقاب على التعقل وأخذ الأمور برزانة وعقلانية. كان يضربها والأم تطلب المزيد. كلاهما لم يرحمها ولا بحث في سبب تأخرها. وحدها العالمة بما وقع لها ولم تبح به حتى لاحقا.

عقابها الشديد طال قبل أن تفلت من قبضة أب عنيف. هربت وأغلقت باب الغرفة التي احتمت بها. فشلت كل محاولاته فتحها بالقوة لإتمام مشهد وتلاوين عقابها، دون جدوى. عاد ليجلس وسط الدار، ليمطر زوجته بكثير العتاب العنيف لفظيا. افرغ ما تبقى من شرارة غضبه أحرق بها نفسيتها. تحملت كل ذلك، فهي مسؤولة عما وقع. لقد سمحت لها بالخروج وشجعته على القبول.

داخل الغرفة لم يسمع أنينها ولا أي حركة. ظنا أنها نامت. لكنها سرعان ما خرجت، لم تكن قد غيرت ملابسها. ما زالت مرتدية نفس الملابس. خرجت فاندفع في اتجاهها، ليواصل ضربها. غضبه متأجج. لم ينتبه لما في يدها اليمنى. رفع يده وهم بضربها. كانت يده فوق رأسها، لما باغثه بضربة في بطنها بسكين مطبخ صغير.

قوة الضربة أبطأت حركة يده فتهاوى، لتوجهه إليه ضربة ثانية وثالثة، ولم تتوقفه إلا بعدما أمسكتها أمها من الخلف وشلت حركتها بشكل أسقط السكين من يدها، فتناولته وأبعدتها. تراجعت للخلف ووقفت باكية وتصرخ بقوة تفضح نفسيتها المهزوزة مما تعرضت إليها من اعتداء جنسي جماعي وهي عائدة، وعقابها الشديد من أب لم يتلمس لها الأعذار ولا يحسن غير العنف وسيلة للعقاب.

كان الأب في لحظة احتضار لا يقدر على تحريك جسمه. ولم تمر إلا دقائق حتى لفظ أنفاسه. علا صياحهما وتجمع الجيران، وبقيت مستمرة كحجر ثابت لا يتحرك. بدت مصدومة ونادمة، لا هي ولا أمها، توقعا أن تكون نهاية الأب مأساوية على يدها. حتى هو ما توقع ذلك، رغم أنه كان قاسيا في تعاملها معها، فما فكر في ردة فعلها بعنف.

حضرت عناصر الأمن وقامت بالمتعين مما يباشر في كل الجرائم المماثلة، واوقفتها واقتادتها لمخفر الشرطة حيث وضعت تحت المراقبة قبل استنطاقها وإحالتها على الوكيل العام وإيداعها إصلاحية ومحاكمتها بجناية الضرب والجرح المؤديين إلى الموت دون نية إحداثه. وبعد عدة جلسات ومناقشة ملفهما في جلسة سرية، أدانتها غرفة الجنايات ب10 سنوات سجنا نافذة لقتلها أباها في رد فعل على تعنيفها لتأخرها عن العودة، لم يبحث في أسبابها واختار العنف عقابا عوض ترجيح كفة العقل.

آخر الأخبار