"الكراب" .. قصة عشق متوترة بسبب القيظ والماء

الكاتب : الجريدة24

05 يونيو 2019 - 12:00
الخط :

فيصل بشري

رغم الحر لا أحد يلقي بالا لسقاء الماء فهو يتحول إلى طيف يذكر بالعطش، بعدما تفقد مياه القراب الجلدية أهميتها، ويتحول إلى "متسول" يعتمر قبعة "صومبريرو" ويرتدي لباس خاصا قوامه أحزمة جلدية تتدلى منها أجراس نحاسية.

نودع رمضان وسعيد (بتسكين السين) يودع بدوره شهرا عانى فيه الكثير وقد نضبت المياه من القربة الجلدية التي يتأبطها، وكما يحب سعيد شهر رمضان يتحسب منه حينما يتوسط كبد الصيف.. لتنشأ علاقة عشق متوترة بين الطرفين بسبب القيظ والماء.

تبدو القربة بأهدابها من بعيد كعنزة عنيدة لا تنفك عن كتفه، وإذ الحرارة مرتفعة مستهل شوال فإن سقاء الماء يستبشر خيرا بهكذا قيظ يحثه على تخلل أزقة الدار البيضاء، ليروي ظمأ العطشى.

تغمر السعادة سعيد بتوديع الشهر الفضيل، فهو يمني النفس بكثرة العطشى وحلول رمضان في فترة الصيف يلتهم الكثير من فرصه في الظفر بقوت العيش دون أن يمد يديه للآخرين، الرجل يؤثر كسب عيشه من عرق جبينه والماء العذب الذي في قربته لا أن تكون يده سفلى تستجدي الرحمة والصدقة.

إنها صروف الزمن وضوابطها على سعيد فهو في عز القيظ، والناس صيام، يصبح أشبه بطيف يسيل لعاب المارين من قربه، لا يولونه الاكثرات لأنه يذكرهم بمياه باردة يشتهونها لإطفاء الظمأ، لكن ما العمل وما عسى سعيد الذي كان يقتات

في الأيام العادية على عذوبة المياه التي يخزنها في جوف قربته، أن يفعل سوى مد يده لاستجداء هؤلاء وهم صائمون عطشى.

"الفلوس موجودة.. ولكن الما شكون بغاه دابا في رمضان" ندت هذه العبارة من فم سعيد، ثم مط شفتيه معلنا غبطته بحلول العيد وأول أيام الفطر ثم عدل قبعة "الصومبريرو" المغربية التي يعتمر لتقيه أشعة شمس حارقة، بينما كانت الكؤوس النحاسية التي تتدلى من حزام جلدي يحيط بخاصرته تتصادم محدثة صليلا خافتا.

"أنا لست طلابا بالمعنى المعروف.. لكن ما باليد حيلة"، قبل أن يرسم ابتسامة على محياه مستبشرا بنفض الغبن عنه بعدما أعاد الحر "الهيبة" إلى المياه الباردة التي يخزنها في قربته..

دعك سعيد عيناه الغائرتان قبل أن يسرد كيف اختار مهنة "الكراب" منذ عشر سنوات مضت، تذكر كيف أن الجفاف عجل برحيله من منطقة عبدة ليستقر به المقام في الدار البيضاء، مدينة "اشري تمضغ..كري تبات" كما يحب وصفها، وبعدما اصطدمت رأسه بكثرة العراقيل التي اعترضته وحالت دونه والعمل، آثر أن يلتحف بهذا الزي الأحمر الباهت الذي يرتدي، ويقتني قبعة "الصومبريرو"، وينتعل صندلا جلديا لا يخفي أصابع قدميه، ويتيه بعد ذلك في عالم بيضاوي مجنون على طول السنة.

آخر الأخبار