الجزائر.. هذه خفايا الصراع على السلطة التي هدمت آخر قلاع الصحافة المستقلة

هشام رماح
لم يجد النظام العسكري الجزائري بدا من هدم آخر قلاع الصحافة المستقلة في البلاد، لتنقض زبانيته على موقع "Maghreb Emergent" الذي يديره الصحافي المخضرم "إحسان القاضي"، وليعتقل هو أيضا على خلفية مقال أفاد من خلاله باحتدام خلاف بين رئاسة الجزائر وقيادات الجيش، حول رئاسيات عام 2024، وإمكانية الاستمرار في وضع عبد المجيد تبون، في الواجهة أم تغييره.
هذا المقال، كان داعيا لاعتقال الصحافي الجزائري، في 24 دجنبر 2022، والرأي الذي أبداه فيه كلفه خمس سنوات سجنا نافذا، منها عامان موقوفا التنفيذ، وكان، أيضا، حافزا ومنطلقا للصحافي الفرنسي "Jean Pierre Sereni"، حتى ينبش أكثر في ما يقع في الجزائر ليذيل مقالا تحليليا مطولا نشر على موقع "Orient21"، استأنس فيه بسؤال منطقي ومقنع، ليباشر بحثه في حيثيات ما يقع، بالقول كيف يمكن أن يهدد مقال صحفي "الأمن الوطني" ويُعطّل "السير العادي لمؤسسات" الجزائر؟.
هكذا تدار الأمور في النظام الجزائري
انبرى الصحفي الفرنسي إلى الرد بداية على السؤال الذي انبثق من غرابة التبريرات التي صاغها نظام الـ"كابرانات" للتغطية على انتهاك حرية الصحافي "إحسان القاضي"، فكما أنه يفترض في مقال صحفي ألا يهدد النظام الجزائري في شيء، لكونه مجرد رأي، إلا أنه نشر في وقت انطبع بتوتر كبير بين الرئاسة والجيش، حول مسألة تجديد الفترة الثانية للرئيس عبد المجيد تبون في عام 2024.
ووفق الصحفي الفرنسي، الذي سبق واشتغل مديرا سابقا لمجلة "Le nouvel economiste" ورئيس تحرير مجلة "L’Express"، فإن اعتقال الصحافي "إحسان القاضي"، واكبه طرد 25 صحفيا من آخر منبر إعلامي مستقل في الجزائر، ولينضم الصحافي المخضرم إلى نحو 300 معتقل سياسي في الجزائر، بحسب منظمات حقوق الإنسان، وليحكم عليه بخمس سنوات سجنا منها عامان موقوفا التنفيذ.
انطلاقة الكاتب الفرنسي، العارف بمنطقة المغرب العربي، من مقال "إحسان القاضي" أفضى به للتأكيد على أن النظام الجزائري يقوم منذ الاستقلال على ثلاث ركائز، إذ تتولى رئاسة الجمهورية التعبير العلني عن النظام بينما يضمن الجيش الأمن في شوارع الجزائر العاصمة، وكذلك على حدود البلاد، فيما تتكفل أجهزة الأمن والاستخبارات، من بين أمور أخرى، بمراقبة الشعب، على أن أجهزة الاستخبارات تمثل عين النظام، ويتراوح مدى تأثيرها وفق ما إذا كانت موحدة تحت قبضة واحدة أو مبعثرة بين إقطاعيات مستقلة ومتنافسة.
ووفق كاتب المقال المعنون تحت "الجزائر. صراعات خافتة في قلب السلطة" فإنه "على مدى السنوات العشر الماضية، جرت إعادة توزيع الأوراق بين المتحكمين في الجزائر مع فقدان ركيزتين، بعد إحالة الجنرال محمد مدين المعروف بـ"الجنرال توفيق"، رئيس مصالح الاستخبارات على التقاعد في 2015، وتفكيك امبراطوريته وإبعاد مساعديه، ثم سجنه قبل إعادة الاعتبار له مجددا، كما جرى تهميش رئاسة الجمهورية بدورها في أبريل 2019، نتيجة الاستقالة القسرية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ولذلك لم يبق من الثلاثي الأصلي سوى القائد العسكري، أحمد قايد صالح، والذي أتى في خريف 2019 إلى رئاسة الجمهورية، غير أنه وبعد أربعة أيام من تنصيب عبد المجيد تبون، رئيسا للجزائر، مات الجنرال والحامي فجأة في ظروف غامضة، وخلفه جنرال آخر، سعيد شنقريحة، والذي استوجب على الرئيس الجديد التوافق معه مع مرور الأيام.
تفاصيل لعبة حكم الجزائر
وحسب الكاتب الفرنسي "Jean Pierre Sereni"، فإنه وبعيدا عن إرادة الشعب الجزائري في اختيار رئيسه، تظل الخطوة الحاسمة خلال رئاسيات 2024، منحصرة في اختيار المرشّح الذي سيتم انتخابه دون صعوبة بالاقتراع العام الذي تديره الأجهزة الأمنية، مسجلا بأن فترة رئاسة عبد المجيد تبون لا تثير أي حماس لدى "كبار الناخبين" العسكريين، بعدما خسر على الجبهة الدبلوماسية، دعم إسبانيا في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، كما أنه قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، فضلا عن إقامته علاقات مضطربة مع باريس يغلب عليها الطابع الشخصي مع نظيره الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، أكثر مما هي علاقة ثنائية بين الجزائر وفرنسا.
أيضا، وخلال قمة جامعة الدول العربية الأخيرة التي انعقدت في الجزائر، فرضت السعودية "فيتو" على إعادة إدماج سوريا في المنظمة من خلال غياب ولي عهدها محمد بن سلمان، الذي صار يتجاهل علنيا الجزائر منذ ذلك الحين، حسب الكاتب الفرنسي، زيادة على تضييع عبد المجيد تبون، لفرصتين للتقارب مع نظرائه، من خلال مقاطعته للقمة بين الاتحادين الإفريقي والأوروبي في فبراير عام 2022، والقمة الإفريقية- الأمريكية في دجنبر من العام نفسه.
الجزائر.. وضع الداخلي وحرب الرئاسة والجيش
وفي مقاله "الجزائر.. صراعات خافتة في قلب السلطة" أوضح "Jean Pierre Sereni"، بأنه على المستوى الداخلي، أنقذت الحرب في أوكرانيا الاقتصاد الجزائري من الركود نتيجة مضاعفة أسعار النفط. ويُمكن للرئيس عبد المجيد تبون أن يأمل في الوفاء بوعوده بزيادة دخل نحو ثلاثة ملايين موظف في القطاع العام، وثلاثة ملايين متقاعد بـ40 في المئة، لكن بحلول ذلك الوقت، سيلتهم التضخم حتما ثلثي هذه الزيادات، ما دام إنتاج النفط يشهد ركودا، وقد نزل إلى أسوأ أرقامه منذ عقد. وبالتالي فإن وزارة الدفاع الجزائرية أصبحت تنحاز للتريث أكثر من أي وقت قبل أخذ أي قرار بتجديد عهدة عبد المجيد تبون.
وأشار الكاتب الصحفي الفرنسي بأن الأمور ليست على ما يرام بين رئاسة الجزائر والجيش، وهو أمر تبدى جليا في بداية شهر أبريل، فكما صرح عبد المجيد تبون، الرئيس الجزائري، في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية ، بأن أمن البلاد يقوم على اقتصاد قوي، لم ينتظر العسكر طويلا، للرد عليه، إذ في عدد من مجلّة "الجيش" الشهرية الخاصة بنفس الشهر، جاء الرد من "كاتب مجهول" أنه في هذا العالم المُرِيب، يعتمد أمن الجزائر أكثر من أي وقت مضى على الجيش.
وتساءل الكاتب الفرنسي، هل يعني هذا أنه لن تكون هناك عهدة ثانية لعبد المجيد تبّون؟ ليرد قائلا إنه من السابق لأوانه الجزم بذلك، وهذا يفترض أن صانعي القرار على قلة عددهم، متفّقون على اسم من سيخلفه في دخول قصر "المرادية".
ونبه صاحب المقال المنشور على موقع "Orient 21"في الماضي، إلى أن عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الجزائري السابق والراحل، كان بثلاث فترات رئاسية لمجرد، أن مختلف العصب والفصائل لم تتمكن من الاتفاق على اسم آخر، ليخلفه في منصبه، مذكرا بأنه حينها لم يُصب أي صحافي برصاصة طائشة، مثلما حدث حاليا مع "إحسان القاضي".