مرة أخرى انقلب نظام الـ"كابرانات" على الأصدقاء كما اعتاد الانقلاب على الأشقاء

الكاتب : الجريدة24

12 يونيو 2023 - 03:21
الخط :

هشام رماح

الأمور ليست على ما يرام بين فرنسا والنظام العسكري الذي جعل من الجزائر حديقة خلفية لصانعتها، فكما حاد "إيمانويل ماكرون"، الرئيس الفرنسي عن جادة الصواب، وانحاز للعسكر ضدا في المغرب الذي حلق بعيدا عن السرب الذي يقوده، فإن إلغاء زيارة عبد المجيد تبون المرتقبة إلى فرنسا في شهر يونيو الجاري، وإعادة المقاطع التي تتوعد فرنسا بالحساب إلى النشيد الوطني الجزائري، هي بعض ملامح ما وصلت إليه العلاقة بين الطرفين.

المغاربة يرددون مثلا شعبيا يقول "تصالح الكلاب عند رجلي الطلاّب"، وهو مثل يحيل على العهد الذي اتفق عليه الرئيس الفرنسي مع رموز النظام العسكري، نكاية في المغرب الذي اختار أن ينوع شراكاته ويخلع عنه التبعية لفرنسا، وقبل هذا أن يضع "إيمانويل ماكرون" في المكانة التي يستحقها، كرئيس "خفيف" قطع شعرة معاوية مع المملكة الشريفة.

وإن انعقد الاتفاق بين الرئيس الفرنسي والنظام المارق في الجارة الشرقية، في مواجهة المغرب، فإن شهر العسل لم يدم طويلا، ومثلما سبق واتفق عبد المجيد تبون و"إيمانويل ماكرون" على زيارة رسمية للأول إلى فرنسا خلال الشهر الجاري، فإن كل المؤشرات تفيد بأن هذه الزيارة لن تتم، وجرى تأجيلها إلى أجل غير معلوم لذر الرماد في العيون، والأسباب متعددة، ومنها أن النظام العسكري بلغته حقيقة المشاعر التي يكنها الرئيس الفرنسي لنظام يبتز بلاده.

أيضا، في فرنسا انتفض العقلاء من وسط مجموعة المجانين التي طفت على السطح مؤخرا واحتلت المشهد السياسي هناك، وهم العقلاء الذين وجهوا سهامهم نحو رئيس فرنسي تلاعب بالعلاقات التاريخية بين المملكة الشريفة وبلادهم، وجعل المستقبل بينهما على المحك، بعدما استرضى العسكر على حساب بلد لطالما كان شريكا استراتيجيا وقبل كل هذا حريصا على صون العلاقة بكل ما يلزم من مستلزمات ومقومات.

وفيما لاحت نذائر الخلاف بين الرئيس الفرنسي والطرف الذي اختاره لتصفية حساباته مع المملكة المغربية، فإن النظام المارق الذي ظل يبتز فرنسا ويتباكى بورقة الذاكرة، والاستعمار الذي امتد لأزيد من أربعة أجيال وبالضبط لمدة 132 سنة، ترجم النذائر إلى حقائق ملموسة، تحيل على مآل العلاقة بين الطرفين التي بدا أنها أوهن من بيت العنكبوت.

ومن جديد، حاول عبد المجيد تبون، الرئيس الصوري أن يلعب على حبل العواطف لدى الجزائريين، حينما قرر بأمر من الحكام الفعليين للجزائر أن يعيد بموجب مرسوم رئاسي نشر في الجريدة الرسمية مقاطع للنشيد الوطني تتوعد فرنسا بالمحاسبة وهي المقاطع التي كانت قد حذفت في عهد الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة في العام 2007.

وكان النظام الجزائري قرر حذف هذه المقاطع لـ"اعتبارات سياسية" تنحو إلى درء أي حرج مع باريس، لكن يبدو أن العسكر قرر التحلل من هذه الاعتبارات طمعا في الضغط من جديد على فرنسا، عبر ذرف المزيد من الدموع في نشيد وطني، حابل بشعارات الوعيد الفارغة والذي أصبح هجينا، تارة تجتزأ منه مقاطع وتارة أخرى تضاف إليه حسب أهواء الـ"كابرانات".

ولا ريب أن إضافة المقاطع التي تتوعد فرنسا إلى النشيد الوطني، لم تكن اعتباطية ولو أن الغاية منها مفضوحة، فكما أن عبد المجيد تبون، وبإيعاز من العسكر جعل من هكذا خطوة تسخينا لرئاسيات 2024، وتوطئة لبقائه في السلطة ما دام طيعا في يد جنرالات الحرب الكلامية، فإنه أيضا، يروم من ورائها مداراة فشل النظام في الحفاظ على علاقات الجزائر بالكياسة المطلوبة، وفضحا سافرا لمزاجية نظام ينقلب على الأصدقاء مثلما اعتاد الانقلاب على الأشقاء.

آخر الأخبار