بيلماون..."هالوين" مغربي ومظهر فرجوي تراثي 

الكاتب : الجريدة24

18 يونيو 2024 - 10:30
الخط :

أمينة المستاري

 تتجدر بالمجتمع المغربي مجموعة من المعتقدات الشعبية والعادات والطقوس ذات الحضور المتميز والمستمر في الحياة اليومية، توارثها جيل عن جيل، مما منحها استمرارية بفضل حمولتها الرمزية التعبيرية، حسب رأي الأستاذ أحمد بومزكو، الذي يعتبرها في غاية الثراء، على الرغم من بقاء الكثير منها منسيا لم تحظى بالعناية والدراسة الكافية لفهم جوهرها الوظيفي والقصدي، واعتبرت هذه الطقوس والاحتفالات الشعبية ضمن الظواهر الفرجوية التراثية المتجدرة.

ومن العادات المعروفة بسوس التي اكتست اهتماما بالغا وارتبطت بعيد الأضحى "بيلماون" ، "هرما"، "بوجلود"،" بولبطاين"، ...اختلفت الأسماء والمضمون واحد.

"بيلماون بودماون" شكل فرجوي شعبي ذكوري يعتمد على جلد الماعز أو الغنم، وأشكال تنكرية يجسد فيها الشباب أدوارا مختلفة ومهنا ...ويرجع بعض الباحثون أن "بيلماون" اعتقاد ديني عند الأمازيغ، الذين قدسوا الكبش قبل الاسلام، فهي ممارسة قديمة قبل ظهور الديانات السماوية بشمال إفريقيا، وبما أنه يعتبر قربانا في الدين الإسلامي، لذلك اعتادوا يوم عيد الأضحى ذبح الكبش في الصباح ولبس جلده في المساء وبعد أيام من العيد، في دلالة على إعادة الحياة للأضحية، حسب تفسير الباحثين.

هو نوع من الترفيه والفرجة التي رغم اعتبار بعض الباحثين أنها طقوس دخيلة، لكون الرومان أول من جسدها، فكانت طقوس "ديونيسيس" تقام بأثينا، يتجول خلالها ممثلون يلبسون أقنعة ويغنون، إلا أنها تظل أيضا طقوس مرتبطة بعيد الأضحى سواء بسوس أو بالأطلس وشمال المغرب، تخرج الساكنة من روتينهم اليومي.

وفي الاعتقادات القديمة فبيلماون يجلب الحظ ويطرد الفال السيء، لذلك يعمد لابس الجلود "بيلماون" إلى لمس المتفرج وضربه بقوائم الأكباش بشكل خفيف حتى تصله البركة، كما أن ضرباته تشفي المرضى وتجلب الخير، فهي طقوس يحضر فيها المقدس بقوة، ويضيف الباحثون أن كرنفال "بيلماون بودماون" تحول إلى مناسبة وفضاء  للترويح عن النفس والخروج عن المألوف بشكل هزلي.

 فقبيل العيد بحوالي 45 يوما، يبدأ شباب الأحياء بالدشيرة وإنزكان استعداداتهم بجمع الجلود وجمع كمية معقولة من جلود الأكباش، يقومون بتنظيفها وتجفيفها حتى تصبح صالحة للتنكر، وتشكيل ورشات صنع الأزياء والأقنعة التنكرية داخل الأحياء بشكل مغلق وسري، وبعد عيد الأضحى يخرج الجميع بما أبدعوه من شخصيات ومواضيع متنوعة للاحتفال كل في حدوده الترابية، والكشف عن إبداعاته التنكرية وأقنعته المبتكرة المجسدة للسخرية والنقد في مختلف مناحي الحياة.

يستوحي الشباب والأطفال مواضيع مختلفة في احتفالهم، يختارون ملابسهم ومجسماتهم التي تبرز مؤخرات نساء بالجلباب العريق والنقاب الشعبي المغربي أو الأرداف...، فيما يختار آخرون أشكالا أخرى، يجد شباب سوس في الكرنفال فرصتهم الذهبية للابتكار بوضع أصباغ وأقنعة على وجوههم وألبسة غريبة، والتنكر في شكل شياطين وعفاريت يؤدون أدوار شخصيات كالخزان، تويا، توديت الحاج وهو رئيس الموكب ينتقدون مظاهر الحياة اليومية بعبارات لاذعة، يرقصون هنا وهناك وبعضهم يحمل أعمدة وعصي خشبية غليظة وطويلة يضرب على الأرض، في طقوس تعبيرية ذات إخراج مسرحي.

احتفالات بيلماون تندرج ضمن الظواهر الفرجوية التراثية المتجدرة، هو كما يحلو للبعض أن يسموه "هالوين" المغرب، نوع من الفرجة والطقوس الشعبية على غرار المسرح والحلقة... والبعيدة عن كل محاولات إلصاق بعض مظاهر الشذوذ " قوم لوط" بها، حيث ارتفعت الأصوات المنددة والمستنكرة بعد ظهور مشاركين تعمدوا تقديم لوحات بألوان قزح، في محاولة للتطبيع مع "الشذوذ الجنسي"، مما يهدد هذا الاحتفال  الفني الصرف، باعتباره عمل فرجوي يوظف الأقنعة والرقص والأهازيج والكوميديا والتشخيص وبعيد كل البعد عما يحاول البعض فرضه على المجتمع المغربي والجيل الناشئ.
ويطمح المسؤولون في سوس لإيصال "بيلماون" إلى العالمية، من خلال تنظيم كرنفال دولي بأكادير من 21 إلى 22 يوليوز المقبل، من أجل الحفاظ على الموروث الثقافي الأمازيغي وتقويته، باعتباره هوية مشتركة لجميع المغاربة، تجد أرضية خصبة في مجال سوس وأكادير، مدينة الانبعاث وعاصمة الثقافة الأمازيغية.

 

آخر الأخبار