فاس- رضا حمد الله
عاد الرجل في ذاك المساء، إلى منزله بقرية بعد رحلة قنص مع نشطاء جمعية مختصة. قضوا يوما شاقا في التنقل بين الجبال الشامخة، بحثا عن طرائد ووحيش مسموح بقنصها. ذاك حالها ممذ يفتتح الموسم، يرتحل بين المناطق كل أحد وعطلة، في رحلة ممتعة للعين رغم تعب الجسد والإرهاق الشديد.
في ذاك اليوم عاد منهكا، دلف باب منزله وقبل صغيراه أكبرهم عمره 6 سنوات والثاني أصغر منه بنصف المدة. وضع البندقية فوق طاولة الصالون، كما حصيلة القنص في يومه. 5 حجلات وأرنبين، ذاك نصيبه في رحلة قنص ممتعة مع زملائه بعضهم يفد من مدن بعيدة لمشاركته العملية كلما سنحت الفرصة.
طلب الرجل من زوجته، إعداد الحجلات والأرنبين، وذاك ما فعلت أثناء دخوله الحمام للاستحمام، وتركت البندقية فوق الطاولة. لقد اعتادت ذلك كلما عاد من رحلة قنص، تجمع "غلة" اليوم دون البندقية يتكلف بنفسه باتخاذ الاحتياطات اللازمة بشأنها. ذاكما تعلمه وخبره من سنوات طويلة حمل فيها السلاح للقنص منذ كان شابا يافعا وإلى أن أوشك على الخمسين من عمره.
ابناه الصغيران كانا يلعبان في الصالون، يتقافزان ويمرحان، لا أحد من والديهما كان يحد من شغبهما، اللعب بالنسبة للأسرة ضرورة في حياة الطفولة، ولا يمكن كبح شغب وحيوية ابنيهما حفاظا على سلامة نفسيتيهما. واصلا اللعب طويلا والأب ما يزال في الحمام، الاستحمام بالماء البارد وسيلة يراها ناجعة لإزالة التعب والإرهاق. مرت نحو نصف ساعة والحالة على ما هي عليه، إلى أن سمع طلق ناري.
خرج الاب مسرعا من الحمام، وهرولت الأم مرعوبة من المطبخ، لا أحد منهما اهتدى لمصدر الطلق الناري، لكن دهشتهما سرعان ما تلاشت بعد الوصول إلى الصالون. ابنهما الأصغر، ممدد في لحظة احتضار والدم سائل مم رأسه. وامام يقف باكيا شقيقه، حائرا دون ان يهتدي لحل يخرجه من ورطة وجد نفسه فيها صغيرا ومن حيث لا يدري. لقد اطلق النار على شقيقه أثناء لعبهما ودون قصد.
كانا يلعبان لعبة القناص والطريدة. الأكبر يمسك البندقية، والأصغر يتقمص دور الطريدة. لم يكونا يعيان أن التمثيل قد ينتهي بكارثة. صوت الأخ بندقية والده لرأس شقيقه وضغط على الزناد فخرجت رصاصة أصابته في رأسه، دون أن يسمع له أنين ولا صرخ المصوب، الصدمة أبكمته.
لم يتحقق الأب من إيقاف تشغيل البندقية قبل وضعها على الطاولة، لقد اعتاد على ذلك، لكنه هذه المرة لم يفعل ولا أفرغها من الرصاص. خطأ ما تعود على ارتكابه، والنتيجة وفاة ابنه في حادث لن ينمحي من ذاكرته، وهو الذي ما زال يحس بالذنب في كونه السبب في تلك المأساة رغم عقابه وقضائه مدة في السجن نتيجة التقصير.
كان لا بد من إخبار عناصر الدرك بما وقع، فحضروا وعاينوا الجثة قبل نقلها لمستودع الأموات لتشريحها، فيما احتفظ لشقيقه رهن الملاحظة إلى أن قدم للعدالة وقضت المحكمة بتسليمه لأسرته. سنه لا يسمح بعقابه وإيداعه، أما الأب فعوقب بشهور قليلة قضاها وراء القضبان، عقابا على تقصير وتهاون لولاه لما قتل ابنه في حادث أليم.