حلقة "رما"...من محاربين أتقنوا تسلق الحصون إلى بهلوانيي الشارع

أمينة المستاري
حلقة "رما" أو حلقة "البهلوانيين"...من أشهر الحلقات التي كانت تقدمها فرقة أولاد سيدي أحمد أوموسى، المكونة من عشرة أفراد أو أكثر، والمعروفة عند الخاص والعام ب"تروا-ن- سيدي احماد أوموسى"، وهي فرقة من المنتسبين للولي الصالح "احماد أوموسى".
فالغالبية العظمى لا تعرف أصل التسمية والحركات التي تقدمها هذه الفرق، فهي لم تولد من فراغ، فقد ارتبطت اسما وموضوعا بالمقاوم سيدي احماد أوموس التازروالتي، صاحب طريقة الرماية الذي حارب المستعمر البرتغالي في منطقة رأس إيغير، يدرب مريديه لتكون لديهم لياقة بدنية صلبة، لأغراض حربية وكون الرماة المهرة القادرين على مواجهة المخاطر الداخلية والخارجية، وبعد أن طرد المغاربة البرتغاليين من نواحي أكادير، في وقت كانت الزوايا ذات نفوذ سياسي وقوة عسكرية وسلطة روحية، لذلك تم اختصارها في كلمة "رما".
وتعني كلمة "رما" " الرماة"، وهي تلك الحركات المعقدة والدقيقة التي تحاكي حركات وجلجلة الحروب والمعارك، تعتمد على السرعة، يصيح أعضاء الفرقة ويتصادمون فيما بينهم لتحطيم معنويات الخصم، يتسلقون أكتاف بعضهم ويكونون صورة هندسية لقلعة عالية يخالها الجمهور لوحة فنية، لكنها في الأساس كانت وسيلة لتسلق جدار حصن أو قلعة من قلاع العدو.
وكانت فرق "أحمد أوموسى" الطائفية، لها شيخها يحضر الحصص، وهو رئيس الفرقة أو "المقدم" أكبرهم سنا، يتحكم في تسييرها وتدبير مواردها وتوجيه أعضائها بفضل نفوذه الروحي، أما السايح أو "شموتيت" فهو غريب الأطوار يعاكس أفراد الفرقة أثناء لعبهم، هو مهرج أبله يقلد بعضهم فيسقط ويتألم أمام الجمهور، ويقلد أصوات الحيوانات ويقلد اليهودي والعجوز... لإثارة موجة من الضحك بين الجمهور وجذبهم، فيما يقوم ثلاثة أو أربعة أفراد بالغناء بالبندير والعواد والناقوس يقودهم المقدم، وعرفت باسم " رما-ن- سيدي احماد أو موسى"، فيما يقدم الباقي حركاتهم البهلوانية وهم "اد بورما" أو "تربوت نايت رما"من العناصر الشابة في الفرقة، ذات موهبة في الألعاب البهلوانية، من قفز على الحواجز، الوقوف المتوازن على يد واحدة، ورقصات من أحواش...
وتعتمد مهارة الفرقة في استقطاب الجمهور بموسيقاها، قبل أن يغير أفرادها ملابسهم المكونة من قميص وسروال أحمر مزخرف بقطع خضراء، ويدخلوا الحلقة للقيام بالتسخينات، فأعضاء الفرقة يتميزون بأجساد لينة قوية، ثم يقدم كل منهم عرضا وألعابا مختلفة وحركات بهلوانية سواء ثنائية أو جماعية...وتوسيع الحلبة كلما اقتضى ذلك، ويقوم أحدهم بجمع الهبات في الوقت الذي يؤدي باقي أعضاء الفرقة العروض الشيقة من قفز وألعاب كالسلم، والهرم حيث تحمل مجموعة مكونة من أربعة أشخاص باقي الأعضاء على الكتف، أو يشكلون هرما، أو شجرة جدعها فرد منهم وأغصانها باقي الأفراد، ويتحركون بخفة على الأقدام والأيدي يقفزون على بعضهم البعض مشكلين طبقات بشرية، .حركات تثير إعجاب الحاضرين وتستمر الحلقة طيلة المساء وعلى امتداد أسبوع أو أكثر.
ومن أبرز الفرق التي اشتهرت بسوس والمغرب ككل، فرقة "اهياضن"، ومعناها بالأمازيغية "اهياضن" الانسلاخ من المحيط والمجال الاجتماعي الأصلي، أي كل شخص غير خاضع للأعراف والقوانين المحلية، أي شخص فوضوي، متمرد ...استوحت حركاتها من فن الروايس وأحواش، تتوزع الأدوار بين أعضائها من الذكور والفتيات البالغين لأداء حركاتهم بكل خفة وإتقان.
بعد أن كانت "رما" حركات توظف لأغراض حربية، أصبحت مع مرور الوقت وسيلة للترفيه، ومظهر فني فلكلوري، هي حركات صقلتها التجربة ورفعها صدق الأداء، ما تزال مجموعة من المناطق تحافظ على هذا النوع من الحلقات والفرجة لاسيما في المواسم "معروف آيت رما"، وتشبث بها أهل منطقة سوس لحفاظها على المأثور الشعبي.