أطفال قتلة..  قتل جاره بسبب التنمر

الكاتب : الجريدة24

19 يوليو 2023 - 12:00
الخط :

فاس: رضا حمد الله

محاطا بشرطي ومساعد اجتماعي، ترجل صعودا عبر السلالم بين مدخل المحكمة وطابقها الأول. مهموما سار مطاطئ الرأس يسترق النظر في من وجد بالمكان، وهو مقتاد لمكتب قاضي التحقيق على يسار قاعة الجلسات الأولى. لم يرى من عائلته فردا، كل من هناك غرباء عن طفل مكانه بالمدرسة لا المحكمة.

كثيرون تساءلوا عن سر وجوده هناك. بعضهم ظنه شاهد على واقعة يحقق في شأنها. وآخرون اكتفوا بالحولقة دون أن يهتدوا لجواب مقنع لحيرتهم، مكتفين بإمطاره بنظرات حبلى بالحيرة والشفقة، لحد أصبح محور حديث من رآه صاعدا لحيث تجمع أشخاص من الجنسين ومختلف الأعمار، في انتظار انطلاق جلسات التحقيق والمحاكمة في ملفات الجنحي أو الجنائي.

لا أحد توقع أن ذاك الطفل القروي، متهم في جريمة أكبر من عمره، وهو الذي لم يطفئ شمعة ربيعه الثالث عشر.

- من أتى به وماذا ارتكب؟

سؤال تكرر على ألسن من انتبهوا لمروره  كسر أحاديث ثنائية أو انشغال بهواتف سرقت البشر من جسده.

- الطفل قتل جاره

جواب المىافق صدم من سمعه وتساءل: كيف يتورط من في نفس عمره في جريمة قتل. أكيد أن في الأمر سر وسبب أو أكثر. براءة ملامحه وهندامه ووجهه الشاحب، لا يوحي بكونه قاتل.

اسمه طارق طرق مستأذنا باب الحياة قبل 12 سنة ونصف، في قرية فاقدة لكل صور التنمية غارقة في عزلتها وهامشيتها، لحد الاختناق بمظاهر بداوة أقرب للبدائية منها لظروف الحياة في مثل هذا القرن. هناك حبا وسمع صراخه مدويا بين جبال لم يشفع شموخها في نفض غبار الإهمال عنها.

ذاق مرارة حياة بطعم العلقم، مبكرا بعد وفاة والده الجندي في الصحراء المغربية. لم يعي ان تكون بلا اب يحميك، إلا بعدما كبر نسبيا ودخل المدرسة. وحدها أمه كانت تكابد لتوفر له حاجياته أو جزء منها، وتحميه بما استطاعت إليه سبيلا. ومع مرور الأيام، بدأ يستشعر خطر أن تكون وحيدا مع أمك، بلا ذراع تلوي مع يتجرأ عليكما.

عانى طارق كثيرا صغيرا ومع زملائه، في المدرسة وبين مسارب قرية يتسيد فيها الجهل. كانوا يتنمرون وبجعلونهم حلقة للسخرية، دون أن يراعوا مشاهرهم وإحساسه، قبل أن تتعمق نذوب في نفسيته، بشكل انعزل فيه عن العالم وعاش وحيدا مذموما لا يخالط احدا إلا أمه أحبها كثيرا وهو العالم أكثر بقدر تضحياتها لأجله.

كثير من أبناء الدوار كبارهم وصغارهم، تنمروا وسخروا منه، دون أن يقدر على التصدي لهم في غياب من يحميه. وضع لم يكن ليولد غير طفل دائم الخوف، مضغوط النفسية. ومع مرور الوقت، زاد انعزاله وانكماشه على نفسه، لحد تربت في دواخله قنبلة "الحكرة" قد تنفجر في أي وقت.

محمد جاره عمره يضاعف سنه مرتين وأكثر، كان بين محتقريه. لم يقدر على صده، لكنه تسلح بالصبر لعل يوما يحل ويراجع فيه نفسه. كان يناديه باسم أمه كلما صادفه في طريقه، ولا يتوانى في احتقاره علنا ووصفه بكلمات نابية. وظل على هذا الحال سنينا دون أن يتغير شيء من سلوك محمد ولا صبر طارق.

في ذاك اليوم التقاه عائدا من المدرسة، فتحرش به واستفزه بكلمات ألف سماعها منه، لكنه يمعتض منها. وأكثر من ذلك صفعه. لم يرد الصفعة ولا جاراه، بل غادر المكان مطاطئ الرأس كما كان وهو في طريقه لمكتب قاضي التحقيق. توجه للمنزل ولم يحادث أمه. وضع المحفظة جانبا وتوجه للمطبخ، ظنته سيأكل ما يذيب جوعه. لم تكن تعلم أنه يفكر في شيء آخر.

في غفلة منها ودون علمها، تناول سكينا أخفاه ففي جيبه، وغادر المنزل. غاب عنه نحو نصف ساعة، قبل أن يعود إليه جاريا خائفا وهو يصيح:

- قتلته

لم تعرف من قتل ولا ماذا وقع، بل لم تستوعب حتى كلامه. لم تتوقع أبدا أن ابنها سيقتل ابن الجيران الذي احتقره سنينا ومات بطعنة غادرة أصابته في بطنه جهة القلب، ما استدار لمعرفة مصدر حركة غير عادية قريبا منه على مرمى حجر من سور فرعية الدوار.

ضربه ضربة الخائف وفر، ومكث في منزل أسرته إلى أن حضرت عناصر الدرك واقتادته لمقر السرية حيث سرد بحضور أمه تفاصيل سنوات من المعاناة مع محمد وغيره سخروا منه دون ادنى اعتبار لنفسيته وإنسانيته. رواية كررها امام قاضي التحقيق بعد دخوله مكتبه.

آخر الأخبار