عيد العرش الـ 24: إنجازات داخلية بارزة ونجاحات خارجية مميزة

الكاتب : الجريدة24

02 أغسطس 2023 - 09:45
الخط :

 

عبد الغني الباهي باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

 

تحتفل المملكة المغربية في 30 يوليوز من كل سنة بذكرى جلوس الملك محمد السادس على عرش المملكة، وهي مناسبة وطنية لتحقيق المصالح الوطنية وخلق تحول كبير ونهضة شاملة في كافة المجالات وتعزيز الانتماء الوطني.

إن حياة الأمم والشعوب لا تقاس بالسنوات بقدر ما تقاس بحجم الإنجازات التي تتحقق على أرض الواقع، وقد استطاع جلالته أن يحقق نجاحا مميزا في سنوات حكمه، على المستويين الداخلي والخارجي، وما شهدته المملكة من نقلات نوعية شاملة في مختلف الميادين والمجالات والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها...، أو على صعيد تطوير علاقات المغرب الإقليمية والدولية، وتكريس دور المملكة المحوري في قضايا الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

لقد حققت المملكة المغربية إنجازات مشهودة في مجالات الديمقراطية والإصلاح السياسي والتنمية الاقتصادية والبشرية وحماية حقوق المرأة والحقوق الفئوية، في ضوء المشروع الإصلاحي الشامل الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس منذ توليه مقاليد الحكم في عام 1999، وما كفله من احترام للحقوق والحريات الأساسية والفصل بين السلطات، وتعزيز المشاركة المجتمعية وتكريس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات، وترسيخ مبدأ المناصفة، وتعزيز مظاهر دولة الحق والقانون والمؤسسات.

ففي محيط إقليمي وجهوي غير مستقر تبرز المملكة المغربية بقيادة جلالة الملك مثالا ونموذجا في تطبيق اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية انتهجتها القيادة الملكية وكرسها الشعب المغربي بمختلف مكوناته، ساهمت في تقوية النسيج الاجتماعي، وتعزيز المواطنة الفاعلة، وترسيخ مبادئ الديمقراطية والحرية وصون حقوق الانسان والحوار وقبول الآخر.

هكذا شهدت المملكة المغربية خلال أربعة عشرين سنة من حكم جلاله الملك كثير من المنجزات والمكتسبات، سواء على صعيد الانفتاح على العالم الخارجي وتدعيم شبكة علاقاتها مع الحلفاء والأصدقاء أو على صعيد التحديث السياسي ومواصلة استكمال مقومات العمل الديمقراطي، في ظل المسيرة التنموية الشاملة التي يقودها جلالته، والتي تأتي كنهج يهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة بأبعادها المختلفة البشرية منها والاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن السياسية، وعلى الرغم من التحديات التي واجهت المملكة، خصوصا عقب انتشار جائحة كورونا التي كانت لها الآثار الاقتصادية بالغة الحدة خاصة بالنسبة للاقتصادات الصاعدة، وتوالي سنوات الجفاف وغيرها من الإكراهات الضاغطة الداخلية والدولية.

كلها إنجازات جلعت المملكة المغربية في مصاف الدول التي تمكنت بحنكة من إدارة ملفاتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية، محققة بذلك أهدافها الاستراتيجية القصيرة والطويلة المدى، بما كفل لها ليس فقط السيطرة على التداعيات الخطيرة التي تسببت فيها الجائحة العالمية؛ إنما أيضا الاستفادة من التحديات التي شكلتها هذه الأوضاع والظروف غير المعهودة، وخلق فرص جديدة مكنت مؤسسات وأجهزة الدولة كافة من التعاطي معها وإيجاد حلول مبتكرة لها، سيما بشأن الوفاء بالاستحقاقات الاجتماعية وضبط مسارات التوازن المالي ودعم  سوق الشغل وجلب الاستثمارات وغيرها.

مسيرة ديمقراطية لا تتوقف

واصلت المملكة المغربية مسيرتها الديمقراطية، نحو تسريع وتيرة الإصلاحات المبنية على نموذج إصلاحي تطويري متدرج؛ وبرزت أولى ملامح التحول الديمقراطي والتوجه إلى طريق الإصلاح السياسي مباشرة بعد اعتلاء الملك محمد السادس للعرش سنة 1999، شمل تصورا تنظيميا ودستوريا، وجاء دستور 2011 كركيزة لعقد اجتماعي جديد في المسيرة الوطنية ويوثق أصالة المملكة المغربية وتميزها وتراثها الحضاري.

المرأة المغربية

المرأة المغربية  لها دورها في حركة البناء والتنمية بمختلف قطاعاتها  وشريك متكافئ مع الرجل في الفرص، حيث استطاعت المرأة أن تصل إلى مناصب قيادية سبقت نظيراتها في العديد من الدول المتقدمة، ويحسب للمملكة المغربية الريادة والسبق، إن استحضار الدور الذي تميزت به المرأة المغربية في مختلف القطاعات سواء على صعيد القطاع العام أو الخاص يعكس ما أولاه جلالة الملك للمرأة المغربية من اهتمام، إذ تحظى المرأة في المملكة بنصيب وافر من البرامج والخطط الوطنية والاستراتيجيات والتي تجاوزت مرحلة التمكين، وتأتي حقوق المرأة في  طليعة أولويات جلالة الملك الذي دعا في خطاب عيد العرش لسنة 2022 إلى ضرورة مراجعة وتعديل مدونة الأسرة لأن التحولات التي عرفها المغرب تتطلب مواكبة القوانين لكل المستجدات حتى تضمن كرامة المواطن واستقرار الأسرة.

استشراف التحديات والآثار الاقتصادية للجائحة

لم يكن تعاطي المملكة المغربية مع الجائحة صحيا ووقائيا مميزا فحسب، وإنما امتد هذا النجاح إلى معالجة آثارها الاقتصادية والاجتماعية أيضا، حيث قدمت تجربة المملكة في هذا الشأن برهانا على جاهزيتها واستعدادها لمواجهة أي طارئ، وتكاملية أدوار مؤسساتها، وقدرتها على وضع السياسات والاستراتيجيات الملائمة لهذه الظروف الاستثنائية، وبما كفل ليس فقط دعم احتياجات تمويل مشروعات التنمية والبنية التحتية التي لم تتوقف تقريبا في مجملها، بل حافظت أيضا على القوى الشغيلة المغربية وموارد ومكتسبات رأس المال الوطني وإعطاء أولوية قصوى للحياة الكريمة لمواطنيها.

ويقود جلالته اصلاحات اقتصادية وسياسية وتشريعية مكنت المغرب من مواجهة تحديات الجديدة، وتوفير فرص التميز والإبداع المغاربة وتأمين فرص جديدة وشراكة وطنية تتكامل فيها جهود القطاعين العام والخاص للبدء في انطلاقة اقتصادية ترفع الدخل وتوفير فرص الشغل وتحقق مبدأ التكافؤ وعدالة التوزيع، وتهدف الى تحسين مستوى معيشة المغاربة عبر منظومة اجتماعية متكاملة.

لقد كان للاهتمام الذي يوليه جلالته في تطوير الاقتصاد المغرب وتعزيز ورفع من إنتاجية الفرد وتحصينه بالمعرفة والمهارات والمكتسبات نتائج واضحة للعيان بدت من خلال ارتفاع نسبة النمو الاقتصادي التي وصلت إلى 1.3% العام الماضي على الرغم من الظروف المحلية والدولية الصعبة، وزيادة الصادرات حيث كان الأداء الجيد للتجارة الخارجية من السلع والخدمات بحيث عرفت الصادرات ارتفاعا بنسبة 20.4% مقارنة بـ 7.9% في 2021 لتساهم بذلك في النمو بـ6.8 نقطة عوضا عن 2.4 نقطة قبل عام، وانخفاض حجم المديونية برغم من الصدمات المحلية والدولية ونوبة جفاف وارتفاع أسعار السلع الأولية.

لقد ساهمت سياسة التحديث والتطوير التي قادها جلالة الملك في مختلف القطاعات الاقتصادية إضافة الى تعميق علاقات المغرب مع الدول الإفريقية في تحقيق نتائج إيجابية انعكست على الاقتصاد الوطني. وبفضل رؤية جلالة الملك في تهيئ سبل مناخ الاستثمار الجاذب لرؤوس الاموال وتوفير التشريعات السليمة التي تهيئ النجاح للاستثمار في كافة القطاعات الاقتصادية، في هذا الصدد أصدر جلالته تعليماته لإعداد القانون-الإطار رقم 03.22 بمثابة ميثاق الاستثمار، والذي يهدف بالأساس إلى بلوغ الاستثمار الخاص ثلثي الاستثمار الإجمالي في أفق 2035.

 

 

الأمن القومي عماد استراتيجية المملكة للتقدم

تقوم استراتيجية المملكة للبناء والتقدم على ثابت لا يتغير، وهو الأمن بمفهومه الشامل باعتباره أساسا لا غنى عنه، والسبيل الوحيد لتحقيق ما تصبو إليه، والرافعة المحورية لتلبية تطلعات مواطنيها في غد أكثر إشراقا وازدهارا، ولذلك تؤكد سياسات المملكة ونهجها الاستراتيجي دوما على عدة مبادئ لا تحيد ولا تتحول عنها، سواء لحماية مقدراتها ومواردها ومقومات قوتها أو للحفاظ على مكتسبات شعبها.

لعل من أبرز هذه التحديات، التقليدية وغير التقليدية، ما يتصل بالوجه الأمني لتداعيات جائحة كورونا، التي ألقت بظلالها على كل جوانب الحياة تقريبا في المغرب والعالم أجمع، واستنفرت أجهزت ومؤسسات الدولة كافة، لا سيما المختصة منها، لمواجهتها والحد من انعكاساتها ومخاطرها.  وزادت حدة هذه التهديدات التي تواجهه المملكة في محيطها الإقليمي، والمناورات الرامية إلى المساس بسيادتها وأمنها. في مواجهة ذلك، شهدت المملكة العديد من التحركات الأمنية والدفاعية التي استهدفت التأكيد على أن المملكة، ملكا وحكومة وشعبا، لن تقف أبدا مكتوفة الأيدي أمام أي طرف أو محاولة تمس بحقوقها أو تتعرض لتماسك بنيانها الاجتماعي، ومن ذلك الرسائل والتأكيدات التي تضمنتها العديد من الخطابات الملكية.

ولا شك أن جملة من الخطوات والفعاليات الدفاعية الأمنية لم يكن الغرض منها سوى التأكيد على أن المملكة المغربية ستواجه أي محاولة للمساس بسيادتها وحقوق شعبها في الأمن والتنمية والاستقرار، وأنها ستعمل على التعاون الكامل مع كل الدول المحبة للسلام والاستقرار والقوى الكبرى لوقف أي قوى أو أجندات تخريبية، كما تبقيت المملكة ملتزمة بتعهداتها للاتفاقيات التي وقعت عليها من ناحية واحترامها لمبادئ حسن الجوار من ناحية ثانية، وإيمانا منها بخطر بعض الممارسات المتهورة في حقل العلاقات والتفاعلات الدولية التي تقوم بها قوى وأطراف تحقيقا لأجنداتها وتطلعاتها العدوانية والتوسعية.

تحركات المملكة الخارجية ثوابت راسخة

استمرت المملكة المغربية على نهجها الراسخ في حقل السياسة الخارجية ودبلوماسيتها الراقية والمرنة القائمة على تعزيز ودعم علاقاتها بالدول الشقيقة والصديقة، واحترام سيادات الدول وعدم التدخل في شؤونها، وتأكيد دورها في دعم السلم والأمن الإقليمي والدولي، حيث مارست الدبلوماسية المغربية الأدوار المناطة بها، وتسمت تحركاتها بالنشاط والتنوع، واستهدفت تمتين أواصر التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، وزيادة مستوى التنسيق والتشاور معها بجانب ترسيخ الاستقرار في المنطقة والعالم.

آخر الأخبار