المبدعون المغاربة: الحاج بلعيد... الأب الروحي لـ"الروايس"

الكاتب : الجريدة24

12 أغسطس 2023 - 11:30
الخط :

أمينة المستاري

الحاج بلعيد... الأب الروحي لفن "الروايس" الذي وضع اللبنة الأولى ل"ترويسة"، وتمكن من أن يصبح من المبدعين المغاربة في عالم الفن، واعتبره البعض "فلتة من فلتات التاريخ" لن يجود الزمان بمثله.

تأثر الحاج بلعيد بثقافتين: الأمازيغية والإسلامية، فكان للتراث الفقهي والأدبي والشعري دورا مهما في صقل موهبته وتأثيره على شخصية بلعيد، فأبدع في العديد من القصائد الدينية، فقد عاصر شعراء أمازيغ كبيهي بن بوعزة، محمد بودراع التازروالتي...لكنه تفوق عليهم وتجاوزهم لتميزه سواء من حيث العزف والصوت وحسن الأداء، لذلك لا يكاد منزل بسوس يخلو من صورته يعرفه الصغير قبل الكبير.

ولد الرايس الحاج بلعيد بدوار "آنو ن عدو" بجماعة "ويجان" الواقعة شرقي إقليم " تزنيت" بمنطقة سوس، في أسرة فقيرة،. يرجح أن تكون ولادته بين 1870 و 1875.

تيتم بلعيد قبل أن يبلغ سن التمييز، ونشأ فقيرا ومعوزا. أدخلته أمه "المسيد" للدراسة لكن الظروف المادية جعلته ينقطع عن الدراسة وفضلت أمه أن تدفعه للرعي لدى الغير لإعالة إخوته الصغار، فتوجه "لإيداو باعقيل" كراعي أجير.

منحه عمله هذا فرصة لمناجاة مزماره بين أحضان الطبيعة التي ألهمته الكثير، ويحافظ على حبه لأمه الحنونة التي تدعو له في كل وقت وحين، فهو ابنها الصبور، حتى انتدبه الشريف سيدي محمد أوصالح للعمل معه مقابل أجر، ومعه تعرف الطفل اليافع على أصول العزف والغناء وأساليبه، رغم أنه كان مولوعا ب"لوتار" وبعض الآلات الموسيقية البسيطة، إضافة إلى أنه عرف بين أهل المدشر بدماثة خلقه ونبله وأخلاقه الحميدة...

رغم عيشه في بيئة محافظة ترى في الغناء شيئا غير مقبول، إلا أنه اعتبر فنانا مبدعا ذو مهارة فنية فأصبح ضمن أول مجموعة "الروايس" وغادر لأول مرة "تزروالت"، قبل أن ينفصل عنها ويكون مجموعته الخاصة.

عايش الحاج بلعيد الظروف السياسية التي عاشها المغرب، فواكب من خلال شعره الأحداث التي عاصرها والتطورات الاقتصادية والاجتماعي أيضا، فنظم الشعر بأسلوب سلس تظهر وعيه ونفاذ فكره لعمق الأشياء، وتجلى ذلك في مجموعة من القصائد بار أوطيل"، "تيزنيت"، "الباشا" و"سوس الثانية" التي اعتبرت نموذجا للفن الرفيع....وكان بمثابة مؤرخ لتلك الأحداث والحقائق وللمقاومة السوسية للفرنسيين.

فقد تسبب بلعيد في قلق لدى المستعمر الفرنسي في فترة كان هذا الأخير يراقب كل شيء ولا يترك لحرية التعبير مجالا، لكن بلعيد استطاع أن يوصل رسالاته بالرموز بدل الخطاب المباشر، حتى دفع المستعمر إلى منع تداول وتوزيع مقطوعتين موسيقيتين للرايس بلعيد، وهما "قصيدة سوس" و"قصيدة أيت بعمران" اللتان أذكى بهما حماس المقاومين بقيادة المقاوم عبد الله زاكور.

أصبح الشاعر بلعيد مشهورا له بصمته الخاصة في الأغنية الأمازيغية، وتمكن من ربط علاقات مع فئات مختلفة من المجتمع وذاع صيته بين السياسيين والفنانين والوجهاء، فهو فنان موهوب يحضى بالتقدير لحسن أخلاقه ونباهته، ويخصص له مجلس محترم ويكرمون وفادته، بخلاف غيره من الفنانين آنذاك.

كان الحاج بلعيد ذو صوت شجي وعازف موهوب بارع قوي الشخصية، تجتمع فيه صفات الفتى الشهم ذو الأحاسيس الرهفة، مثقفا، حكيما، ناقدا لاذعا للمستعمر ولمساوئ المجتمع، متمرسا في إلقاء الشعر، وكان متميزا في غزله، فقد تناول موضوع الغزل والحب في أغانيه، أو “تايْري” كما يسمى بالأمازيغية، فإنه كان يلجأ إلى الرمزية بدل اللغة المباشرة، ما يجعل أغانيه غير ذات حرج خلال الاستماع إليها أثناء اجتماع الأسر.

استمر عطاؤه أكثر من نصف قرن، وبعد وفاته تسلم المشعل ابنه محمد بن بلعيد، ليكمل مسار والده، وترك بلعيد أعمالا فنية خالدة من الأغاني الأمازيغية وقصائد شعرية، شاهدة على عبقرية وإبداع بلعيد، يتغنى بها فنانون مرموقون في عالم "تارايست" ...

آخر الأخبار