قصة حي: أنزا...حي قاوم المستعمر الفرنسي والبرتغالي وشكل قلعة لليساريين

أمينة المستاري
من أحياء أكادير التي اكتسبت أهمية في مرحلة من تاريخ سوس "أنزا" ... وتعني مكان المعركة والمقبرة، فقد كان ساحة للمعارك سواء في مواجهة المستعمر البرتغالي والفرنسي، أو ضد الباطرونا، واعتبرت معقلا لليساريين.
اعتبر حي أنزا دائما مقرا للبروليتاريا العمالية، بحكم تموقع مجموعة من مصانع السمك التي بناها الفرنسيون ومواليهم، وكذا مصنع الاسمنت الذي جلب اليد العاملة من مناطق مختلفة، وخلفت فئة من العمال الذين حاربوا من أجل التحرر، واستقروا في الخيام والمغارات وسكنيات المعامل( الكوارا) ثم في دور الصفيح، وانصهروا مع باقي القبائل الصحراوية والعبدية والدكالية...وأصبحوا يعشقون حيهم يدافعون عنه بالغالي والنفيس.
فقد عرف حي أنزا مرحلة إعمار في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، بعد أن كان على شكل خيام، قبل أن تظهر البنايات بإنشاء معمل الإسمنت ومصنع لتوليد الكهرباء بأغزديس، الذي سيفجر عهد الصناعة التحويلية القائمة على مصانع التعليب والتوليد، فلم تكن الساكنة قبل زلزال أكادير تتعدى 5 آلاف نسمة، لتصبح اليوم أزيد من 60 ألف نسمة، كانت الساكنة الأصلية مشكلة من تدارت نوكادير وعائلات من أكادير أوفلا.
واشتغلت الأسر بأنزا بتربية النحل وسميت أنزا العليا "تدارت" أي خلايا النحل، كما عملت نسبة منها بتربية المواشي، كما استقرت الاسر القادمة من الصحراء والتي كانت تمارس الترحال بين الصحراء وسوس، فقد كان الجزء الجنوبي من الحي قبل الاستعمار الفرنسي عبارة عن أراضي زراعية وصالحة للرعي، حيث كان سكان الحي يقيمون وسط المغارات المنتشرة بأغزديس، ولم يعرف موجة الإعمار سوى في الثلاثينيات من القرن الماضي.
وكان "البراح" يمر بين الساكنة القاطنة في الخيام للإعلان عن عروض العمل للرجال والنساء على السواء، فيتوجهون للعمل ويقضون اليوم كله في معامل السمك، وكانت النساء يتعرضن للإجحاف ولا يتسملن حقوقهن كاملة من طرف "الكتاتبي" ولم يكن الرجال بدورهم أفضل حالا، مما خلق موجة من السخط والاحتقان، لتظهر البرولتاريا وتفسح المجال للتشبع بالفكر اليساري، فأصبح حي أنزا معقلا للفكر الاشتراكي اليساري وكانت صور لينين وماركس تؤثث خيام ساكنيها، وتشجع عبد الرحيم بوعبيد للترشح في الانتخابات بأكادير، ومعقلا للاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
عرف حي أنزا بمقاومة المحتل، وبه قتل جنود الشيخ السعدي في القرن 16 الميلادي، ابن مالك أحد أشهر القادة العسكريين الأمازيغ، العميل البرتغالي الذي كان يقود كتيبة من الجيش البرتغالي ضد المسلمين، وعرف الجيش البرتغالي هزيمة نكراء بهذه المنطقة.
على غرار أكادير، عرف حي أنزا ركودا اقتصاديا في فترة حكم المولى محمد بن عبد الله، في الوقت الذي تحول الاهتمام للصويرة، حسب ما جاء في كتاب "ذاكرة أكادير في القرن العشرين" لحسن الرسافي، وإعزا جافري وعبد الله كيكر، لكن أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية، ومع إنشاء معامل التصبير وتجفيف السمك المصدر لأوربا خرج كمن التهميش وعرف روادا وتوافد اليد العاملة.
واستمر الوضع حوالي 175 سنة من التهميش، قبل أن يتم إنشاء معامل التصبير وأصبحت وجهة للمستثمرين الأوربيين خاصة الفرنسيين والبرتغاليين، الذين يقصدونها لتأمين غداء أوربا من السمك المجفف، ويتم تصديره من ميناء أكادير، كما تم بناء مطاحن أنزا الكبرى وإنشاء خط سككي لنقل الأحجار من أنزا نحو أكادير قصد بناء ميناء أكادير، ليخرج حي أنزا من القوقعة التي فرضت عليه قسرا.
تشكل حي أنزا من الأمازيغي والصحراوي والدكالي، وتحول إلى منطقة تغري هواة الرياضات المائية، كما يشتهر بآثار "الديناصور" الذي تم العثور على أثر أخمص قدميه، وأرجع الباحثون والجيولوجيون فترة تواجده به إلى الزمن الجيولوجي الثاني، أي قبل ظهور الإنسان، وتحول إلى مزار سياحي.