زلزال المغرب...نكبة الحوز ونكبة المؤثرين

الكاتب : الجريدة24

19 سبتمبر 2023 - 11:30
الخط :

أمينة المستاري

عرف المغرب هزات محلية خفيفة لم تكن لتسمع، لكن أول هزة حركت مشاعر المغاربة وعواطفهم "حادثة ريان"، التي استقطبت مجموعة من المؤثرين، وجدوا في البئر مكانا لانتشارهم ، يقيمون ويبيتون فوقه ويحيطون به، يعرقلون حركة فرق الإنقاذ ويبثون أخبارا زائفة، ويخترقون خصوصية الساكنة، مما نتج عنه ظهور بيانات وبلاغات تندد بتواجدهم وبتصرفاتهم، لكن بقي الوضع على ما هو عليه وخفت حركتهم مع دفن الطفل ريان ونهاية قصته الحزينة.

مع وقوع زلزال الحوز الذي اعتبر أكبر نكبة يعيشها المغرب، بعد أن شمل ثلاثة أقاليم ذات مساحات شاسعة، ظهر مرة أخرى مؤثرون "تغولوا" لأنهم وجدوا فضاء كبيرا بجبال شاسعة يصولون فيها ويجولون كما يشاؤون، ينقلون عبر قنواتهم كل ما يحلو لهم بفوضوية ودون حسيب ولا رقيب، حتى أصبحوا "ثاني نكبة" يبتلى بها المغرب، ينشرون فيديوهات تحط من كرامة المتضررين، دون تمييز بين النساء والأطفال، يقومون بتصويرهم دون أدنى حس إنساني، ودون إخفاء ملامحهم، بل بلغ الأمر ببعضهم إلى التهكم منهم بتصرفات لاأخلاقية كتصويرهم وهم يمسكون أفرشة أو حليب...مصحوبة بتعاليق تحط من كرامتهم عوضا عن مواساتهم في مصابهم.

زلزال الحوز جعل المؤثرين يتحولون إلى فاعلين يقحمون ذواتهم فيما حدث، كإدعاء تعرضهم للهلع أوتكرار الهزات ويبيتون في العراء، ينشرون أرقاما مغلوطة لعدد الضحايا والبيوت أو المنازل المنهارة، أو المساجد التي ظلت صومعتها شامخة، بل منهم من يقوم بجمع التبرعات ويحملها  ليقوم بتوزيعها، يبالغون في تصوير مسارهم ويومياتهم، ينتقدون حرمانهم من توزيعها أو يدعون التعرض لهم...

فالمؤثر في زلزال الحوز أصبح يصنع الخبر ويحاول التأثير على متتبعيه بتصرفات يستجدي من خلالها دعم المشاهدين ورفع نسبة المشاهدات على حساب مآسي الضحايا.

استغل المؤثر الزلزال لـيحشر أنفه في حياة ساكنة المناطق المنكوبة، يحاول الظهور بمظهر المساند ومقدم "اليد البيضاء"، يقحم ذاته ويصنع الخبر ويساهم فيه، لكنه خبر قد يكون محرفا أو مغلوطا أو مزيفا، يمارس "الصحافة" بشكل عشوائي ودون احترام لأخلاقيات المهنة لأنه جاهل بها، فهو ليس صحافيا، بل يساهم في نشر الإشاعة بمجموعة من الدواوير والمناطق النائية، فقد قام مجموعة منهم بنقل أخبار زائفة  وأرقام مغلوطة من قبيل هلاك دوار بأكمله، أو عدم توصل دواوير بمساعدات...واستعملوا أساليب احتيالية أثارت الرعب في نفوس المتضررين بسبب التهويل والتخويف المبالغ فيه، بل تحول بعضهم إلى فقهاء يفتون في علم الجيولوجيا، الاحتياطات الواجب اتخاذها في مثل تلك اللحظات من الزلزال...

أمام هذا التغول للمؤثرين يطرح سؤال: أين هي الدولة من كل هذه الفوضى؟ فالدولة قدمت استقالتها وتغاضت عما وقع في قضية ريان ثم في زلزال الحوز، إضافة إلى أنها قامت ومنذ مدة ب"زيادة الشحمة في ظهر المعلوف"، بعد أن تم تعويض الصحافي بالمؤثر، يتم استدعاؤه للمهرجانات والمناسبات في ضرب صارخ لمهنة الصحافة، وعوض المهني بمؤثر جاهل أو سلبي أو "سوقي" وأحيانا من ذوي السوابق العدلية،...فالدولة " دسرات المؤثرين" وفتحت الباب على مصراعيه للفوضى في الإعلام ولانتشار كائنات غريبة لا هم لها سوى در أرباح خيالية من "الأدسنس" على ظهر المتضررين المنكوبين ليس في زلزال الحوز بل في قضية ريان وغيرها.

زلزال الحوز وتارودانت فتح الباب على مصراعيه لفئة أخرى "منتحلي صفة صحافي"، وحاملي "ميكروفونات" انتشروا كالجراد في المناطقة المنكوبة، يمارسون "الصحافة" بشكل عشوائي، ويتسابقون لأخذ تصريحات مؤثرين تحولوا بين عشية وضحاها إلى خبراء في الزلازل والدين وعلم الاجتماع...دون توفرهم على أدنى شروط الصحافي المهني، وهو ما جعل المجلس الوطني للصحافة يخرج ببلاغ يستنكر فيه الظاهرة، التي اعتبرها مهنيون "قديمة" تغاضى عنها المجلس في السابق حتى انتشرت كالفطر، وكان الأجدر أن يتم استئصالها والحد منها قبل أن تصبح واقعا.

آخر الأخبار