تاريخ الحركة النسائية المغربية: تجربة أخوات الصفا

حليمة الزومي - باحثة في سوسيولوجيا النوع والمواطنة ونائبة رئيس جهة فاس مكناس
لقد ظهرت الحركة النسائية في المغرب في سياق تميز بتأجج الكفاح الوطني لمناهضة الاستعمار الفرنسي والإسباني، وبتزعزع البنى التقليدية المغربية في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وفي منظومة القيم المجتمعية نتيجة الاختلال والتدخل الذي أحدثته القوى الاستعمارية في بنية المجتمع المغربي. فقد اصطدمت البنية الثقافية الذكورية والتقليدية للمجتمع المغربي مع نموذج الفكر الليبرالي والتحرري، وهو نموذج روج له من جهة النخب المغربية التي درست في أوروبا وفي المشرق العربي، وجسده، من جهة أخرى، نمط عيش المستوطنين الفرنسيين في المغرب. الشيء الذي أدى خلال هذه المرحلة إلى ظهور تعبيرات أولى عن مصالح النساء على شكل قطاعات حزبية. غير أن عملها قد تركز أساساً في النضال الوطني لمواجهة المستعمر الفرنسي وفي العمل الخيري/الإحساني والعمل الاجتماعي. لكن هذه المرحلة قد سجلت خصوصية لتجربة نسائية، جعلت من حقوق النساء معركة ذات أولوية في عملها، حيث اتخذ نضال المرأة المغربية لأول مرة شكلاً منظماً، متمثلا في تجربة جمعية «أخوات الصفا»، وهي جمعية كانت تابعة لحزب الشورى والاستقلال.
يمكن القول أن الموجة النسوية الأولى في المغرب بدأت في منتصف فترة الاستعمار، حيث كانت الأحزاب السياسية الوطنية مهتمة بقضايا النساء رغم تركيزها على استقلال البلاد. انصب تركيز «جمعية أخوات الصفا» - وهي أول منظمة نسوية في المغرب - على محو الأمية بين النساء، كما كانت الجمعية أول من أعلن عن مطالب نسوية أساسية مثل إلغاء تعدد الزوجات، ودعت أيضا إلى الحقوق السياسية الكاملة والمتساوية وزيادة ظهور النساء في المجال العام.
طوال الفترة الاستعمارية، كان للنضال النسوي تأثيرا محدودا وقلما جرى الاعتراف به أو توثيق مجرياته، لذلك بقي على الهامش، وظل تمثيل النساء ناقصاً خلال تلك الفترة، كما تم استبعاد ذكرهن من بيان الاستقلال على الرغم من دورهن الحاسم في معارك الاستقلال - بما في ذلك التظاهر بالحمل لنقل السلاح للثوار.
لم يكتب للتجارب النسائية في هذه المرحلة أن تبرز قضية تحرير المرأة كقضية اجتماعية ذات بعد استراتيجي، وذلك نظرا للجوء النخبة الوطنية إلى الاحتماء بالموروث الديني والتاريخي للمغرب. واستثماره لحشد الوجدان الوطني من أجل محاربة الاستعمار أولاً. حيث اعتبر النضال الوطني آنذاك قضية مركزية، مما أدى إلى رهن المسألة النسائية بالمسألة الوطنية، أي اعتبارها دونها ترتيبا من حيث سلم الأولويات
سياق ظهور جمعية أخوات الصفا
كان المؤتمر التأسيسي لمنظمة (أخوات الصفاء بمدينة فاس، بتاريخ الجمعة 23 ماي 1947، بمشاركة وفود تمثيلية نسائية من مختلف الأعمار، والطبقات الاجتماعية، ومن مختلف مدن المغرب كما حضرته ممثلات عن جمعية نساء المغرب وكان مغزى اللقاء هو التكتل حول حقوق المرأة، ودورها في النهوض بالبلاد، والمساهمة في تطورها. وكان الحضور في هذا المؤتمر مكثفا، قدرته إحدى المسؤولات، بأكثر من ثلاثة آلاف مشاركة.
وقد قررت المؤتمرات في هذا المؤتمر، تأسيس تنظيم نسائي، أطلقن عليه، اسم أخوات الصفا، واتفقن على أن يكون مقره المركزي، بمدينة فاس، وعلى تأسيس فروع، في جميع جهات البلاد، ومدنها الكبرى - أساساً، مهمتها نشر مبادئ الجمعية، وأهدافها، والسهر على تنفيذها. كما وافقن بالإجماع على مقررات المؤتمر، وبرنامج عمل، رسم الخطوط العريضة لتصورات المنظمة، اعتبرنه وسيلة تساعد المرأة المغربية على أن تخرج من الظلمات إلى النور، وأن تخطو في طريق المعرفة والتقدم. وتم ختم اللقاء بتحرير توصيات، التزمت الفروع بالسهر على تنفيذها، والالتزام بها .
وقد ارتبط هذا التأسيس بعدة عوامل يمكن ذكرها على الشاكلة التالية:
السياق العام لحركة التحرر التي سادت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ونهضة الحركة النسائية - عالميا وعربيا - ضمن نفس السياق، بشكل تأثرت به الحركة الوطنية المغربية بكل فصائلها.
النزعة الليبرالية الإصلاحية، لدى حزب الشورى والاستقلال" وإيمانه بالإصلاح الاجتماعي، حيث كان مفكروه يربطون بين قضية المرأة، ومسألة تمدين المجتمع وتحديثه، " وينظرون إلى تحرير المرأة، باعتباره جزء من دعوتهم لتوفير الحريات الديمقراطية.
المسألة التنظيمية للحزب، حيث أسس الشوريون، مجموعة من التنظيمات الموازية، لاستقطاب منخرطين جدد، وتأطيرهم، من بينها تنظيمات خاصة بالمرأة، أهمها جمعية النساء المغربيات، التي كان مقرها بمدينة الدار البيضاء، وجمعية أخوات الصفا.
أهداف جمعية أخوات الصفا
سجلت أخوات الصفاء أن المرأة المغربية، في فترة الحماية كانت تعيش تحت نير الظلم والاحتقار، إذ لم يتم مراعاة حرمتها ولا حقوقها، كما أنها تتخبط في ظلام من الجهل، وبحر من الانحطاط، وأن وضعيتها تخالف العصر وتتناقض معه بإقصائها عن ميادين العمل النافع، وإقصاء رأيها، وجعلها آلة صماء في يد الرجل، يديرها كيفما شاء.
وقد أرجعت الجمعية مسؤولية الوضعية التي تعيش فيها المرأة، إلى ثالوت الجهل، والخرافات والأوهام، إضافة إلى مجموعة من الآفات التي نتجت عن انحراف المسلمين عن دينهم، وقد انطلق نقد ناشطات الجمعية من منطلق الإيمان بمركز المرأة في المجتمع البشري، ومواهبها التي تجعلها سراج البيت وركنه الركين، والمتحكم في مستوى الأسرة، ودورها في التربية الصحيحة، وبناء عالم السلام والرحمة والمحبة ، وكذلك من منطلق الإيمان بسواسية المرأة والرجل، واقتصار أي فرق بينهما، على الأعمال الصالحة. ومن هذه المنطلقات - كذلك - اعتبرت عضوات الجمعية المرأة عماد، وركيزة النهوض والتقدم ومقياس رقي الأمم، ورهنن تطور المغرب بمشاركتها وعملها إلى جانب الرجل في كل الميادين.
ومن خلال أدبيات الجمعية، ومقالاتها، وخطابات عضواتها يمكن إجمال أهداف ومقاصد أخوات الصفا في ما يلي :
الكفاح من أجل تحسين الأحوال الاجتماعية والأخلاقية لجميع النساء المغربيات.
حفظ كيان المرأة المغربية وصون شرفها وكرامتها.
الخروج بالمرأة من طور الخنوع والعزلة إلى حياة الحرية والعمل النافع للبلاد.
مشاركة المرأة في بناء صرح الوطن.
تمتيع النساء بسائر الحقوق الديمقراطية.
رفع رأس المرأة المغربية عاليا بين نساء العالم المتمدن.
المراجع:
من التاريخ إلى المستقبل: الحركات النسوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة، يوليو 2023. ص 11.
2 تجربة الحركة النسائية المغربية، المناصرة والابحاث والسياسات العامة في مجال حقوق الانسان، دراسة حالة المغرب، تقرير بحثي، نعيمة بنواكريم، بيروت، فبراير 2017، ص 8.
3 أخوات الصفا تنظيم نسائي رائد في تاريخ الحركة الوطنية، الدفالي، محمد معروف، مجلة أمل، المجلد/العدد: مج ,5ع 13,14، ص 181.