أعلام فاس وعلماؤها…الحاج أحمد بنشقرون فقيه من أبرز علماء القرويين

فاس: رضا حمد الله
يعتبر العلامة الفقيه العميد الحاج أحمد بنشقرون من أبرز علماء القرويين الذين حظوا باحترام الشخصيات الفاسية، لما حظي به من مكانة علمية مرموقة بالمدينة، وما عرف عنه من صوة شخصية وخبرة واسعة جعلته عالما متمكنا وأديبا وشاعرا ترك بصمته جليا في الجامع وعالم التأليف.
وللرجل المتوفى بمدينة فاس قبل 24 سنة، مؤلفات عديدة وإسهامات قيمة في التأليف العلمي والإبداع الأدبي وفي مجالات مختلفة ومتنوعة وإبداعات غزيرة تظهر حنكة وشخصية هذا العلامة البارع الذي لم يترك مجالا علميا ولم يكتب أو يترك بصمة فيه طوال مساره العلمي.
وكان للحاج أحمد بنشقرون تآليف في علم النوازل ونظام الحسبة في الإسلام ومناقب الصحابة وفي البيعة والخلافة في الإسلام، ومن كتبه "من أخلاق المسلم" و"اللؤلؤ المكنون" و"تفسير سورة "ق"" و"مختارات من البدائع" و"إن من الشعر لحكمة" و"قصائد شعرية في أركان الإسلام".
ولم تقتصر كتاباته في هذه المجالات، وألف كتابا عن "محمد الخامس الملك العالم"، وتولى أيضا مسؤوليات علمية خاصة بجامعة القرويين التي ولجها منذ صباه في سنة 1913ف"نهل من حياضها وأخذ عن شيوخها وتشبع علما وتشرب فهما ونمت سرعة بداهته وترعرعت ملكة الشعر بنفسه".
وكان الرجل في فترة رئيسا للامتحانات العالمية الرسمية بالقرويين التي أصبح أستاذا بها وخطيبا ومربيا موازاة مع تجنده على جبهتي الكفاح العلمي والوطني، في إطار جهوده في حياة كانت حافلة بالعطاء الزاخر والريادة في كل شيء والإشراف على برامج هذه الجامعة ومناهجها.
ومن المسؤوليات التي تولاها فيها الإدارة العامة للتعليم الإسلامي العالي ورئاسة هيئة مفتشي التعليم الأصيل وقسم البحوث الإسلامية، كما أهلته مسيرته العلمية الطويلة في رحاب الجهاد الفكري والعلمي لتولي مسؤوليات أكبر في المجال ومنها توليه مسؤولية عميد لكلية الشريعة.
وكان الرجل في حياته رئيسا للمجلس العلمي لفاس وأمينا عاما لرابطة علماء المغرب وعضوا في أكاديمية المملكة، ما استحق عليه التفاتة ملكية في مناسبات مختلفة حصل فيها على وسام الرضى من الدرجة الممتازة ووسام العرش من درجة فارس وجائزة الاستحقاق الكبرى في 1992.
هذه المسؤوليات توجت مساره العلمي الطويل منذ حفظ القرآن بالكتاب قبل الالتحاق بالقرويين والأخذ على شيوخها الذين تميزوا بالشمول والتعمق، إلى أن حصل على العالمية منها برتبة مشرفة في 1942 ليشغل لاحقا عدة وظائف خاصة تدريس المواد العربية والإسلامية في الجامعة نفسها.
ولعل من أبرز مسؤولياته رئاسة مديرية التعليم الإسلامي بوزارة التربية الوطنية، فيما تشكل أرجوزة من زهر الآس عن الجامعة، أهم ما نظم. فبطريقة سهلة الألفاظ وغزيرة المعاني، نظم الأرجوزة مسجلا تاريخ القرويين نظما كما علماء المغرب وأدباؤه الذين سلكوا مناهج خاصة في النظم.
"وجامع منذ زمان سالف.. فهرية بنته للمعارف
فظل منذ الألف بل ونيف... وزيد قرن بعد ذاك النيف
مشتغلا بالدرس والتصوف.. متزيا بالعلم والتعرف
والحلقات في الصباح والمسا... معقودة لبحر علم درسا
وبين مغرب ومن قبل عشا... يزيح عالم عن الفكر العشا".
بهذه الأبيات نظم الحاج أحمد بنشقرون أرجوزته عن جامع القرويين لتسد فراغا حيث أنه "لم يعن أحد من رجالات القرويين بنظم تاريخها الحافل وماضيها العريض الطويل، في رفع راية العلم والمعرفة والفن والأدب ونصرة الدين وحماية الملة" بتعبير "أرجوزة من زهر الآس".