أزمور وزعير زمن بلاد السيبة

الكاتب : الجريدة24

20 أبريل 2024 - 12:00
الخط :

اعداد امينة مستاري

أثارت "الحركة" رغبة لدى الطبيب الفرنسي في الترحال، فانطلق بمجرد تعافيه من المرض في غشت 1908 في رحلة دامت 4 أشهر، جال فيها شمال المغرب من الرباط نحو سيدي قاسم وفاس وزان.....وصولا إلى طنجة، قبل أن يعود إلى الدار البيضاء عبر البحر.

لم يكن المغرب قد عرف عملية استكشاف معمقة، لا من طرف الجغرافيين ولا الغزاة الإسبان والبرتغال، ولم تفد روايات باديا إليبليش وجاسون وكوشلي وبوكليرك وروني ونايبيرك كافية للتعرف على المغرب، لكن عملية الاستكشاف الفعلية بدأت على يد الرحالة الإنكليز: واشنطن، ديفيدسن، وأورليت سواء حول جبال الأطلس أو سواحل المغرب.

وجاء بعد ذلك مستكشفون آخرون لكن أهمهم كان شارل دوفوكو سنة 1883، الذي أصدر كتابا سنة 1888 ، تلاه مجموعة من الرحالة الذين تمموا بعض المعارف كان أبرزها الطبعة الأولى لخريطة فلوت روكفير.

رغم ذلك ترسخت للكاتب فكرة ضرورة استكمال استكشاف كل منطقة على حدة بالمغرب، فتولد لديه شغف بالخرائط، مستعينا بصفته كطبيب، وببعض مدخراته التي جمعها بعمله مع السلطان.

قرر الطبيب أن يبدأ من الشاوية، على أن يعود من حين لآخر إلى الدار البيضاء لممارسة عمله، فكان برنامج عمله أن يسلك الطريق الساحلية وصولا للصويرة، ويجول بجزيرة ماديرا وجزر الكناري وصعد جبل تنيريفي...

كان يقوم بجولاته الاستكشافية على متن جواده، مستعينا ببوصلة ومضغاط غير سائل. لم يكن المغرب في تلك الفترة يتوفر على طرق معبدة، فطريق السلطان نفسه كان عبارة عن طرق تسلكها البغال والجياد، ولا يضم فنادق فقط منازل للكراء أو الساحات العمومية أو حدائق البيوت، لذلك كان لابد من توفير لوازم التخييم والدواب لنقل المعدات وبعض الخدم...

كان للأوربيين ببلاد المخزن حق التنقل والرحلات، يرافقهم "مخزني" يقومون بأداء أجره طيلة الرحلة مقابل إرشادهم وحمايتهم، لكن رغم ذلك لم يكن الطبيب الفرنسي يحبذ مرافقة مخزني له، لأنه سيصبح مراقبا في تحركاته وسكناته.

تمكن فريديريك من الحصول على رسالة شريفية من السلطان عليها طابعه، يخول له التحرك والتنقل وتمكنه من الحصول على المؤونة والخفر، وتحقق له الحماية داخل المناطق التي تخضع لسلطة "الخدام الأوفياء" للسلطان.

لم يجد الكاتب عراقيل إلا عند وصوله منطقة بوزان، هناك لم يكن للرسالة أية أهمية لدى الشريف الوزاني، لكنه رحب بالرحالة بالطبيب حسب ما يأمر به الدين الإسلامي "ضيف الله"، فقد كان الطابع الشريف فاقدا لقيمته ببعض مناطق اجبالة خاصة بين أصيلة وطنجة.

اعترضت فريديريك مجموعة من العراقيل خلال رحلته، كالأنهار خاصة منها التي أقيمت على الوديان كوادي سبو، وادي أم الربيع، وادي تانسيفت، فيما كانت باقي الأنهار يتم عبورها سباحة أو ب"الفلوكة" و"المعديات" وهي الأخشاب المشدودة إلى بعضها بالحبال، هذه الأنهار عرفت وقوع حوادث من حين لآخر، لم يسلم منها الطبيب.

بالنسبة للعوائق التي يسببها الإنسان، خلص الطبيب إلى أن التعصب الديني أهم عائق، خاصة في المدن والمناطق الآمنة بالنسبة للأوربيين، سواء المدن الساحلية وبلاد المخزن وبلاد السيبة إضافة إلى الحرم، لذلك كانت المدن الساحلية أفضل الأماكن الآمنة بالنسبة له.

كانت بلاد المخزن ممتدة من الرباط وبين الحوز ومنطقة الغرب، لكن القبائل المجاورة لها كزمور وزعير كانت ضمن بلاد السيبة، فكانت تمنع الدخول إليها، وتفرض من حين لآخر الحصار على الرباط إلى حين دفع فدية مالية أو عينية، بل أن السلطان نفسه كان يتفاوض مع أهل زعير وزمور للحصول على الإذن إذا ما أراد التوجه من مكناس إلى مراكش، فيما اعتادت القوافل عند وصولها إلى بوزنيقة أن تشرع في أخذ الاحتياطات قبل مغيب الشمس، واجتياز السهل الخطر الذي تسكنه قبائل بني حسن الذي تستهدفه قبائل زمور بغاراتها.

لم يكن الأوربي مرحبا به في أزمور وسلا، بعكس فاس التي لم تكن الطبقة البورجوازية تعامله بالنفور فأغلب أفرادها متحررين منفتحين، بعكس العامة التي اعتبرته "كافرا".

ميز فريديريك بين فئات المجتمع المغربي، سواء البورجوازية أو الدهماء بتعبيره، في بلاد المخزن والسيبة، وتعامل الساكنة مع الأوروبي، وأسهب في الحديث عن بتلك المناطق، ومعنى "الضيافة" فيها، سواء عند البدوي والقياد...خاصة وأن المسلمين يعتبرونها من تعاليم القرآن.

آخر الأخبار