تاريخ " الزطاطة" بالمغرب

الكاتب : الجريدة24

22 أبريل 2024 - 05:00
الخط :

أمينة المستاري

كان  المغرب القديم يعرف حروبا بين القبائل وأعمال نهب وقطع الطرق، تمس بالمسافر وقد تدفعه للعودة من حيث أتى أو يغير الطريق، وقد ينزل ضيفا على أحد الدواوير التي تحميه وتسهر على أمنه، لكنه إذا حصل ونزل على الجيران الأعداء فالدوار قد يلجأ إلى معاقبته وسرقة دوابه، وقد يتطلب ذلك من شباب الدوار دهاء كالتعري ودهن أجسادهم بالزيت ثم يختبؤون خلف الأعشاب، وقد تنتهي تلك المحاولات بإطلاق النار عليهم من طرف الحراس.

تعرض الطبيب الفرنسي للأذى مرتين، على امتداد خمس سنوات من إقامته بالمغرب، كانت المرة الأولى بمزاب تعرض خلالها لهجوم اللصوص، والثانية بغابة بين بولوحوت وبوزنيقة، حيث مهاجمته من طرف قبائل زعير .

ببلاد السيبة، كان المسافر خاصة الأوربي يمر محتميا بمزراك "رمح" يرفعه أحد أفراد القبيلة المرافقين له، فيحصل على حماية عشيرته فيطلق عليها اسم "عناية" " مقابل قدر مالي " زطاطة".

في تلك الفترة، لم يكن باستطاعة الأوربي أن يطأ 4/3 المغرب إلا بالحيلة والمجازفة بحياته، مستدلا بدهاء "دوفوكو" الذي قام برحلته في المغرب متنكرا في زي "حزان" أي رجل الدين اليهودي، أو بدخول حاشية ولي من الأولياء الذي يشمله ببركته أو شريف من الشرفاء.

لم يتمكن الطبيب من دخول بلاد السيبة لفشله في الاحتماء بشريف من الشرفاء، ففي تلك الفترة لم يكن سهلا على أوروبي دخول مدن كمولاي ادريس وشفشاون...، إلا بالتنكر أو الارتداد عن الديانة المسيحية، لكن الكاتب تمكن من دخولها متنكرا، وزار حمامات سيدي حرازم ومولاي يعقوب باستثناء شفشاون لمعارضة شرفاء وزان دخوله لها.

يصف الجاسوس الفرنسي حالة المغرب القديم، وتقسيمه لبلاد السيبة والمخزن. كانت بلاد السيبة عبارة عن أراضي مقسمة بين القبائل، قبل أن تستعيدها الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، وأعادت توزيعها في شكل أراضي جموع تتخللها خلاءات تعرف باسم "بلاد الخالية" وهي التي تترك للخارجين عن القانون والحيوانات المفترسة.

أما الميدان الفلاحي، فكان كل فلاح يزرع الأرض الممنوحة له من طرف الجماعة أو القائد في وقت التوزيع السنوي، ولا يزرع إلا ما هو ضروري، لأنه في حالة العكس يقوم القايد بسلبه الفائض من المحصول.

وعن الملكية الفردية، كان أغلبية الملاك العقاريين من الشرفاء، أو موظفي المخزن الذين حصلوا على أراضيهم بموجب ظهائر شريفة، لكن بعد أن أصبح الأهالي غير خاضعين للقياد بعد اتفاقية مدريد وتقنين حق الحماية، شرعوا في بناء البيوت وغرس الأشجار حتى أصبحوا من الملاك بفعل الإحياء والتقادم.

لم ينسى الكاتب أي تفصيل في وصفه لطبيعة المغرب وتقسيم أراضيه، فحب المغامرة جعله يطوف بمناطق لم تكن معروفة، واستكشف الأنهار والجبال التي لم تذكر في الخرائط، يقضي اليوم بين الطبيعة وينصب الخيمة ليلا في الخرائب والسهول بمعية رجاله ومرافقيه، وقد يكون ضيفا على البدو أو القياد، لكنه كان يؤمن أنه ومن أجل الاستمتاع بمفاتن البلاد يجب أن يسهو المرء عن حالتها السياسية والاجتماعية ويغمض عينيه حتى لا يشاهد مظاهر البؤس، في وقت لم تكن أوربا القرن 20 تطيق تواجد المغرب على أبوابها.

آخر الأخبار