تأديب القبائل المتمردة في مغرب ما قبل الاستعمار

الكاتب : الجريدة24

29 أبريل 2024 - 10:20
الخط :

 أمينة المستاري

بعد فشل سفارة المنبهي في تحقيق النجاح، نال خصومه منه وأطاحوا به، فعاد إلى الصويرة شبه مذلول، لكنه تمكن بعد وقت قصير من استعادة مكانته والتأثير على فكر السلطان، ليعود عهد التسلية بعودة المنبهي الذي تأثر وأعجب بطريقة العيش الأوربية.

عرف المغرب في تلك الفترة اضطرابات في الشمال خاصة بجبالة والحياينة وبربر ناحية صفرو ومكناس، مما دفع بالسلطان إلى ترك مراكش في دجنبر 1901، وأقام بالرباط شهرين قبل أن يحل بفاس في ربيع 1902، خلالها أرسلت مجموعة من الحركات لمناطق حياينة وبني مسارة وبني مزكلدة تم إخماد التمرد بها، قبل أن تعرف مكناس في 27غشت التمرد بدورها وتعرضها لهجوم آيت يوسي وبني مطير وكروان وزعير وزمور.

أحداث تاريخية يحكيها الطبيب الفرنسي، أرخت لفترة صعبة وحرجة من تاريخ المغرب القديم، فقد كان حادث اغتيال الدكتور "كوبر" بفاس على يد أحد المتعصبين نقطة فارقة، حيث لجأ القاتل إلى ضريح مولاي ادريس وتم إخراجه وإعدامه بأمر من السلطان، وهو ما لم يرق للساكنة لقدسية الضريح.

حاول السلطان كسر شوكة المتمردين، بمساعدة أخيه مولاي الكبير، وقام بتأديب مجموعة من القبائل حتى أعلنت الطاعة ظاهريا، لكن لم تلبث غياتة، بعد انضمام قبائل أخرى، أن هزمت أخ السلطان، وعرف قائد المتمردين الذي لم يكن سوى الجيلالي اليسفي الزرهوني المعروف باسم "بوحمارة"، حيث كان يدعي الكرامات وبكونه أخ السلطان الذي حرم من الخلافة بل والمهدي المنتظر، قبل أن يعرف عنه عمله ككاتب لدى المخزن تم فصله عن عمله.

كان بوحمارة يزاول أعمال الشعوذة، وبلغ به الأمر أن أقام بلاطا شبيها بالسلطان بتازة، وكون جيشا من الريفيين والبربر وجبالة، ليزحف على فاس في 22 دجنبر لمواجهة جيش المخزن بقيادة مولاي عبد السلام الأمراني، لكن هذا الأخير مني بالهزيمة وترك وراءه عتادا وقتلى وجرحى.

قام السلطان بتعيين أخيه محمد من أجل إخماد التمرد بفاس، وأعاد تشكيل جيشه، في الوقت الذي فطنت الساكنة لخدعة بوحمارة فدخلت القبائل في تحت لواء المخزن.

في 3 يناير 1903 هاجم المنبهي معسكر المتمردين من جوانب فاس الأربعة، بجيش الكيش، وتمكن من أسر العشرات وقتل آخرين نكل بهم وقام بتعليق رؤوسهم فوق أسوار "باب المحروق"، ولاحق الآخرين، قبل أن يعود أدراجه إلى فاس ولم يتمكن من القضاء تماما على التمرد بسبب فرار الجند الذين لم يتوصلوا برواتبهم.

سلط فريديريك الضوء على بعض الأشخاص المقربين من السلطان، كمولاي عرفة والأمراني، عمّي مولاي عبد العزيز، ودورهما في كبح جماح المتمردين بالجبهة الجزائرية ومليلية، لكنهما منيا بالهزيمة وهوجمت الحامية العسكرية في وجدة وتقهقرت إلى التراب الجزائري لتتم بيعة بوحمارة.

تمت محاصرة قصبة جنادة قرب مليلية من طرف الريفيين واستولو عليها، وفر القائد والأمراني إلى اسبانيا ومنها إلى طنجة، ليتمكن بوحمارة"الروكي" من أن يصبح سيدا على الشمال الشرقي بعد انضمام بعض القبائل إليه.

في منطقة الشمال الغربي، ظهر متمرد آخر، لم يكن سوى مولاي أحمد بن محمد بن ريسون "الريسوني"، سبق له أن عين عاملا بظهير شريف قبل أنم يتمرد ويهدد باجتياح تطوان وأصيلا والقصر، لكن القائد بوشتى البغدادي شن هجوما على المنطقة وأضرم النار في قلعة الريسوني، دون  أن يتمكن من القبض عليه.

سادت حالة من التمرد والخضوع بعد شن الهجومات على المناطق المتمردة في المغرب القديم، وساد صراع بين القبائل المتمردة بزعامة الروكي والمخزن، واستمر المنبهي في عملية إخضاع المناطق المتمردة وانتزاعها من أيدي المتمردين، لكن الهزيمة لحقت بالسلطان وبوزيره المنبهي في يوليوز، فقد هب مولاي عبد العزيز إلى نجدته لكنه لم يتمكن من بلوغه وتوقف عند وادي سبو، قبل أن يفر الوزير ويلتحق بالسلطان ويعودا أدراجهما إلى فاس في 28 أكتوبر...مرحلة جعلت المنبهي يطلب من السلطان السماح له بالذهاب للحج، وعند عودته سنة 1904 أقام بطنجة إلى حين مماته.

رغم بعض الأحداث المؤسفة والاعتداءات على المراكز الفرنسية لم تتخلى فرنسا عن اتفاقها مع المخزن وتعاونهما في شؤون الحدود الجزائرية المغربية، بل إن وزير الشؤون الخارجية المغربي طلب من مندوب فرنسا في طنجة أن يمنح للحاجب أحمد الركينة وبعض القوات الشريفة ترخيصا لردع المتمردين فوق التراب الجزائري، وفعلا عين القبطان الفرنسي "لاراس" وبعض التلاميذ الضباط للالتحاق بالمحلة الشريفة، التي نزلت بنمور في 10 يوليوز واستعادت مدينة وجدة، ثم زحفت على تازة لردع المتمردين وحطت رحالها بقصبة العيون، لتنجح في لملمة شتات الحامية التي خلفها المنبهي بتازة.

كانت حالة المخزن لا تسر، فقد انتشرت الفتن في الشمال والجنوب، وجف بيت المال من الضرائب، في وقت كان المغرب مدينا لفرنسا واسبانيا وانكلترا، مما جعل السلطان يطلب قرضا آخر من بنك باريس وبنك هولندا.

الوضع السياسي بالمغرب فتح الباب أمام فرنسا لتطلب من السلطان المغربي التعاون أكثر، وتظهر تفوقها السياسي عليه، وبدأت الأحلام الاستعمارية تسيطر على إنكلترا وألمانيا  بعد تقاعس فرنسا وتراخيها، خاصة وأن الألمان كانوا يعملون بجد من خلال جغرافيين ومستشرقين ومقاولات أنشأها مواطنوها، الأمر الذي لم يكن يرق للطبيب فريديريك، الذي وجه عرضا لصحيفة "لوطون temps" يؤكد على أحقية فرنسا في تولي شؤون المغرب بما تحقق لها من تجارب في الجزائر وتونس، وهو الحل العادل للحفاظ على وحدة ميراث السلطان ومده بالمساعدة بالوسائل لاستعادة سلطته وإعادة تنظيم بلاده...كما أنه من المستحيل ترك الآخرين (ألمانيا وانكلترا) يتممون عملها (فرنسا) الحضاري في شمال إفريقيا...فهي المستقبل.

لم تمض أيام، حتى نشر أحد صحفيي "التايمز" رسالة في جريدة "روفي إبدومادير" يذكر فيها حقوق فرنسا وأنكلترا وشروط تدخل فرنسا في المغرب.

يسرد الطبيب الفرنسي في مؤلفه، فترة وئام جمعت إنكلترا وفرنسا، وتم الاتفاق على أن تبقى فرنسا في المغرب شرط احترامها لسيادة السلطان وحرية التجارة لمدة 30 سنة مع المغرب، وعدم بناء حصون ومنشآت استراتيجية على السواحل المغربي، من مليلية إلى سبو وإدخال إصلاحات إدارية ومالية وعسكرية في المغرب، فيما تستفرد إنكلترا بمصر.

آخر الأخبار