أعلام فاس وعلماؤها: العلامة سقين تولى الخطابة والفتوى بعد عودته من السودان

فاس: رضا حمد الله
يعتبر أبو زيد عبد الرحمان بن علي القصري السفياني العاصمي المعروف ب"سقين"، واحدا من العلماء المغاربة الذين توجهوا إلى السودان واستوطنوا بها سنينا مارسوا فيها نشاطهم الإبداعي والعلمي ومنهم محمد بن يوسف زياتي ومحمد المغيلي ومخلوف بن صالح البلبالي ومحمد التواتي.
واستقر سقين بالسودان سنوات عديدة قبل أن يعود إلى فاس حيث توفي في 956 هجرية كما ورد ذلك بمصادر متعددة منها "نيل الابتهاج" و"شجرة النور الزكية" و"الفكر السامي" و"درة الحجال" و"جدوة الاقتباس" لابن القاضي، و"فهرس الفهارس والإثبات" للعالم عبد الحي الكتاني.
واجتاز الرجل على السودان ذهابا وإيابا في رحلته إلى المشرق حيث قصده في طريقه إليه وفي عودته إلى فاس. ودخل مجموعة من مدنها وحدث بحضور ملوكهم حينئذ فاهتموا به وعظموه وأعلوا شأنه ومنزلته بين علماء هذا البلد، ووصلوه بالصلات الجزيلة طيلة المدة التي قضاها هناك.
ولم تكن السودان وحدها التي ترك فيها بصماته وعلا اسمه، بل أيضا في مصر وحل بها في طريقه للمشرق، وهناك لقي أبو الفتح القلقشندي المشهور بمقامته المعمودية، إضافة إلى شيوخ آخرين سيما من أصحاب شيخ الإسلام ابن حجر وغيرهم كثير ممن التقاهم ولازمهم في فترة محدودة.
وقضى "سقين" بالحرمين مدة طويلة حيث أخذ الحديث جيدا وتوسع فيه وفي سنده وضبط ألفاظه حتى زاد زاده منه وحصل له علم كثير ورواية واسعة "لم تحصل لغيره من أهل عصره من علماء فاس" كما كشف المصادر المتحدثة عن اجتيازه في إيابه السودان ودخوله مدينة كنو وغيرها.
في 919 هجرية انطلقت رحلة سقين للمشرق لزيارة بيت الله الحرام ولقاء المشايخ ومنهم شيخ الإسلام الإمام الحافظ عز الدين عبد العزيز بن نجم الدين بن فهد. وطيلة المدة التي مكثها في الحرمين، أخذ الحديث وأذعن له الكبار والأقران وأخذوا عنه الحديث لمعرفتهم بتحقيقه وضبطه.
سنين طويلة دامتها رحلته إلى المشرق ذهابا وإيابا قبل عودته لمدينة فاس حيث تولى الخطابة في جامع الأندلس بالمدينة القديمة، قبل أن يتولى الفتوى، لكنه سرعان ما عزل منها، لينكب على إقراء الحديث وتدريسه إلى أن وافته المنية تاركا مسارا علميا يفتخر به ويميزه بين أعلام فاس.
وعرف عن الإمام الحافظ الراوية المحدث المسند سقين سعة روايته وكثرة مشايخه وروى عنه الجمع الغفير ممن دونهم في السن وكتبوا عنه إجازات في الحديث من طرف مشايخ بالمغرب والمشرق. ولم يكتف بنشر علمه ببلده والمشرق، بل كانت له مكانة بين العلماء ومنزلة في الفقه.
وقبل أن يهاجر للمشرق، عمل مدرسا للفقه في المدرسة المتوكلية العنانية، كما ولي خطابة جامع الأندلس بعد وفاة الإمام أبي العباس الزقاق، وحيث اشتهر بعنايته واهتمامه بالكتب الستة خاصة الموطأ ومسلم والبخاري والسنن الأربعة، بعدما اختص بذلك وإقراء الحديث وتدريسه لطلبته.
وإضافة لإنتاجه العلمي ودوره التدريسي، كان الرجل المدفون بمقبرة باب الفتوح بمدخل المدينة القديمة، من العباد الصالحين ممن تبعوا طريق السلف الصالح من المسلمين، حيث "أحسن وأجاء وألحق الأحفاد بالأجداد" في تدريسه الحديث والتفسير والأدب والطب والتصوف.