لهذه الأسباب أحال أمير المؤمنين بعض مقترحات مراجعة مدونة الأسرة على المجلس العلمي الأعلى

هشام رماح
أحال الملك محمد السادس، باعتباره أميرا للمؤمنين ورئيسا للمجلس العلمي الأعلى، بعض المقترحات التي رفعتها إلى نظره المولوي السامي، "الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة"، والمتعلقة بنصوص دينية، وهو قرار ملكي ينسجم والسعي الحثيث لتحقيق الغاية الفضلى من وراء مراجعة نصوص قانونية تستحضر مصلحة الأسرة المغربية واستقرار العلاقات الزوجية، واستدامة السكينة والمحبة بين مكوناتها، وفق ما جاء في بلاغ ملكي، صدر اليوم الجمعة 28 يونيو 2024.
حرص ملكي على ثوابت الدين واحترام المنهجية الدستورية
وفيما يجمع العلماء في الدين الإسلامي على قاعدة تفيد بأن من أسباب الغلو الاجتهاد في دين الله بدون أهلية، وكما أن باب الاجتهاد يظل مفتوحا بخصوص مراجعة بعض مضامين مدونة الأسرة، فإن أهلية تشخيص وتمحيص المقترحات المرتبطة بنصوص دينية ضمن روزنامة المدونة، تنحاز إلى المجلس العلمي الأعلى، بصفته الدستورية كونه الجهة المخول لها إصدار الفتاوى.
وتنم إحالة أمير المؤمنين ورئيس المجلس العلمي الأعلى، بعض المقترحات المرتبطة بنصوص دينية إلى المؤسسة الدستورية المخول لها إصدار الفتوى، على حرص أكيد مكين من السدة العالية، لانبثاق فتوى جماعية تراعي مصالح العباد، ارتكازا على ثواب الدين الإسلامي الحنيف، مع فتح باب الاجتهاد والاعتدال والنهل من فضائلهما لما فيه من مصلحة للأسرة المغربية.
وكما أثير النقاش حول مراجعة مدونة الأسرة، فإن إحالة أمير المؤمنين للمقترحات على المجلس العلمي الأعلى، يتماشى والسعي حثيث لتغليب المقاربة التشاورية، فيما يتعلق بنصوص مدونة الأسرة التي تهم بالأساس مصالح المواطنات والمواطنين، وبما يفضي للاستجابة لانتظاراتهم، على أن هذه الإحالة أيضا، تشدد على احترام الملك محمد السادس للمنهجية الدستورية، من خلال إسناد الإفتاء للجهة التي ينص الفصل 41 من الدستور على تفردها بمهمة الإفتاء.
المجلس الأعلى العلمي.. الإفتاء لما فيه مصلحة البلاد والعباد
ولعل الإحالة الملكية للمقترحات المقدمة بشأن مراجعة مدونة الأسرة، على نظر العلماء الأفاضل بالمجلس العلمي الأعلى، تأتي سدا لكل الذرائع، وتبديدا لكل غموض من شأنه أن يثير لغطا لدى من قد تتشابه عليهم الأمور، فكما أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإن في إشراك العلماء من خلال المؤسسة الدستورية، ما يحيل ولا ريب على دورهم المحوري في تحصين الأمن الديني والروحي للمغاربة، في احترام تام لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف بما ينسجم والمتغيرات المجتمعية التي تفتح باب الاجتهاد في تحل شامل بالاعتدال.
وليست بدعة إحالة النصوص المتعلقة بأمور الدين الإسلامي، على المجلس العلمي الأعلى، فلهذه المؤسسة الدستورية باع طويل في إصدار الفتاوى، في إطار مؤسساتي يتغيا المصلحة الفضلى للمغاربة جميعا في مختلف مناحي الحياة، وكما أن الأمر يهم هذه المرة المقترحات المتعلقة بنصوص دينية في شأن مراجعة مدونة الأسرة، فإن هذه المؤسسة سبق واضطلعت بالكثير من المهام وأصدرت فتاوى، بناء على تكليفات سامية، من قبيل فتوى خطة العدالة بالنسبة للنساء، وفتوى إغلاق المساجد مؤقتا بسبب تداعيات جائحة "كورونا" وفتوى استعمال القنب الهندي لأغراض طبية وعلاجية وصناعية.
بلاغ ملكي واضح مانع
وبالعود إلى مضامين البلاغ الملكي المتعلق بموضوع الإحالة، فإن المرامي تبدو أوضح من أن تلتبس لأي كان، إذ تنحاز إلى العناية التي يوليها أمير المؤمنين، بشأن تأسيس أرضية صلبة قوامها المرجعية الدينية، من أجل اعتماد روح الاجتهاد، بما يدرء كل خوض في قد يضير المغاربة في أمنهم الديني واستقرارهم الروحي، من طرف علماء ذوو بصيرة ونفاذ متسلحين بالعلم إلى كل الأحكام القطعية نصا ودلالة.
ولعل بلاغ الديوان الملكي، جاء واضحا مانعا في مضمونه، بعدما أعلن إحالة أمير المؤمنين لبعض المقترحات المتعلقة بنصوص دينية على أنظار العلماء الأفاضل بالمجلس العلمي الأعلى، ومن شأن إصدار هذه المؤسسة الدستورية لفتوى بشأنها، أن يضع حدا لكل التأويلات التي قد يتراءى للبعض الخوض فيها، دون أهلية ودون قدرة منهم على استشفاف المختلف، وفي صرف سافر للاهتمام بمتطلبات العصر وفروض التغيرات المجتمعية الطارئة.
واكتست الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد واستحضار فضائل الاعتدال، وفق مقاصد الشريعة الغراء، أهمية قصوى في بلاغ الديوان الملكي، ففيه رسم واضح لخارطة الطريق المتعلقة بهذا الشأن، إذ لا مجال للاجتهاد إلا وفق ما ينسجم ومقتضيات الدين الإسلامي الحنيف وما من شأنه أن يحقق الغايات الفضلى المتمثلة فيما فيه مصلحة للأسرة المغربية واستقرار وتحصين العلاقات الزوجية واستدامة السكينة والمودة بين شتى مكوناتها.