التعليم وغلاء المعيشة واحتجاجات طلبة الطب.. ملفات ساخنة تختبر كفاءة الوزراء الجدد

استقبل جلالة الملك محمد السادس، يوم الأربعاء الماضي، رئيس الحكومة وأعضاء التشكيلة الوزارية الجديدة.
هذا التعديل الوزاري لم يأتِ كمجرد تغيير في الأسماء، بل كان بمثابة تأكيد على ثقل التحديات المطروحة، حيث يواجه الوزراء الجدد أزمات خانقة في قطاعات التعليم والصحة والزراعة والنقل.
وينتظر المغاربة أن يُحدث هؤلاء المسؤولون فارقاً ملموساً على أرض الواقع، بعد سنوات من التحديات المتصاعدة.
على طاولة الحكومة ملفات شائكة تبدأ من أزمة طلبة الطب وتتصاعد لتشمل ارتفاع تكاليف المعيشة، وغلاء أسعار اللحوم والخضر والدواجن، وموجات الجفاف، إلى جانب التضخم ومعدلات البطالة والهجرة.
ويقف الوزراء الجدد أمام امتحان حقيقي لاكتساب ثقة المواطنين، الذين ينتظرون خطوات حاسمة وبرامج واضحة لمعالجة الأزمات، وليس مجرد وعود تضاف إلى سجل طويل من الانتظار.
أزمة طلبة الطب والصيدلة، التي أثارت موجة من الغضب العارم في الأشهر الأخيرة، هي واحدة من أكثر التحديات سخونة.
مع تولي عز الدين ميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، مهامه، يتعين عليه إعادة بناء جسور الثقة بين الوزارة والطلاب. فشل الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي في احتواء الأزمة وتفاقم الأمور بعد تبنيه لمقاربة صارمة أدت إلى تراجع الطلاب عن التزاماتهم الأكاديمية ومقاطعة الدروس والامتحانات.
وسيجد ميداوي نفسه مطالباً بتحقيق توافق جديد وتقديم حلول جذرية تعيد الهدوء إلى القطاع الأكاديمي، وتحافظ على استمرارية التعليم دون أي تهديدات مستقبلية.
من جهة أخرى، يأتي محمد سعد برادة ليحمل على عاتقه مسؤولية إدارة وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. برادة، الذي يرث مسؤولية إكمال خارطة الطريق 2026/2022 التي انطلقت في عهد شكيب بنموسى، يواجه ضغوطًا عالية لتسريع تنفيذ مشروع "مدارس الريادة".
هذا المشروع، الذي يعد رهاناً كبيراً لتحسين جودة التعليم العمومي، يتطلب رؤية عميقة وإجراءات ملموسة للرفع من مستوى التعليم، خاصة في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
لكن التحدي الأكبر يكمن في استعادة الثقة في المدرسة العمومية وسط تفضيل متزايد للتعليم الخاص، بسبب التراجع المتكرر لتصنيف التعليم المغربي عالمياً.
في المقابل، تأتي حقيبة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، التي تولاها أحمد البواري، معضلة حقيقية بسبب الأزمات المائية الناتجة عن الجفاف المتوالي.
البواري، المعروف بخبرته الطويلة في إدارة الري، يواجه تحديًا مزدوجاً؛ عليه إيجاد حلول طويلة المدى لمعالجة الأزمة المائية وضمان استمرارية الإنتاج الزراعي، بينما يتعامل مع تصاعد الأسعار الذي يمس معيشة المواطن بشكل مباشر.
وسيجد الوزير الجديد نفسه في موقف يتطلب اتخاذ قرارات جريئة، من تسريع وتيرة تحلية مياه البحر، إلى تحسين سلاسل الإنتاج وتطوير قطاع تربية المواشي لضمان استقرار الأسعار في السوق المغربية.
أما في قطاع الصحة، فبعد سلسلة من الإصلاحات، يجد الوزير الجديد أمين التهراوي نفسه أمام مهمة صعبة لتلبية تطلعات المواطنين الذين ينتظرون نظاماً صحياً يوفر تغطية شاملة وخدمات متميزة.
ومطالب التهراوي، الذي جاء من خلفية اقتصادية، بإدخال التكنولوجيا الحديثة في الخدمات الصحية، وتوسيع مظلة التغطية الصحية، إضافة إلى إيجاد حلول لهجرة الكوادر الطبية التي باتت تهدد جودة الخدمات الصحية.
وفي مجال النقل واللوجستيك، الذي يعد عصب التنمية المستدامة، يواجه عبد الصمد قيوح تحديات لا تقل صعوبة. المغرب يستعد لاستضافة فعاليات رياضية عالمية، من بينها كأس العالم 2030، وهذا يتطلب تحديثاً شاملاً للبنية التحتية للنقل.
قيوح أمام اختبار رفع مستوى شبكات النقل العام والخاص، وتحقيق انسجام بين التطورات الحضرية والاحتياجات اللوجستية المتزايدة. هذه التطورات لا تسهم فقط في كسب ثقة المواطن، بل تعزز صورة المغرب كدولة قادرة على تنظيم كبرى الفعاليات العالمية بامتياز.
من جانبها، تواجه نعيمة بن يحيى، وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مهام شاقة لتقليص الفجوات الاجتماعية وتحسين أوضاع الفئات الهشة.
وتحتل قضية تمكين المرأة والشباب مكانة خاصة في أجندتها، حيث تهدف الوزارة إلى تعزيز قدرات النساء وتأهيلهن للانخراط في سوق العمل من خلال برامج كـ"جسر".
وبالتوازي، تأتي التحديات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى، حيث يتطلب الأمر مجهودات مكثفة لمساعدة الأشخاص في وضعية إعاقة، وتحقيق الاندماج الاجتماعي بمفهومه الشامل.
في ظل كل هذه الملفات، يبقى السؤال الأبرز: هل ستكون الحكومة الجديدة قادرة على مواجهة هذه التحديات بكفاءة وتقديم نتائج ملموسة تُرضي تطلعات الشعب المغربي؟