مشاورات استمرت 22 شهراً.. هل اقتربت لحظة الحسم في مشروع قانون الإضراب؟

تتزايد المخاوف بين صفوف النقابات والطبقة العاملة في المغرب إزاء قانون الإضراب الجديد، الذي أصبح موضوع نقاش حاد بين مختلف الأطراف، وسط شعور متنامٍ بأن هذا القانون قد يحد من حرية العمال في التعبير عن مطالبهم.
ويأتي ذلك بالتزامن مع إعلان وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، عن توافق الحكومة مع التوصيات التي قدمها كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو ما اعتبره بعض المتابعين مفاجأة قد تفتح بابًا للمراجعات المطلوبة.
وأكد السكوري، خلال عرضه لإنجازات الوزارة تزامنًا مع مناقشة الميزانية الفرعية، أن الوزارة توافقت مع آراء المؤسسات الدستورية بخصوص مشروع قانون الإضراب، مشيرًا إلى أن الهدف هو إصدار قانون تنظيمي متوازن يحترم الدستور وحقوق الإنسان.
وأوضح الوزير أنه أبلغ النقابات بهذا الموقف، مضيفًا أن المشروع شهد مشاورات امتدت لأكثر من 22 شهرًا تخللتها نقاشات معمقة وصعبة، لكن ما تزال هناك نقاط خلافية جوهرية تعيق الوصول إلى توافق شامل.
وشدد ذات المتحدث، أن الحكومة مستعدة لتتجاوب مع مقترحات النقابات بشرط أن تكون عملية، مؤكدا أن الوزارة الوصية عن القطاع تهمها مصلحة الطبقة الشغيلة.
كما أشار المتحدث ذاته، أن جهاز تفتيش الشغل التابع لوزارته نجح في تفادي 488 إضرابا في 483 مؤسسة، مقارنة بـ693 إضرابا في 675 مؤسسة خلال نفس الفترة من سنة 2023، أي بانخفاض نسبته 29.58 بالمائة في عدد الإضرابات.
وتجدر الإشارة إلى أن إحدى القضايا المحورية التي أثارت جدلًا واسعًا هي مسألة الاقتطاع من أجور العمال خلال فترات الإضراب.
فرغم تأكيد الحكومة أن مبدأ "الأجر مقابل العمل" هو الذي يحكم هذا الإجراء، إلا أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان رأى في هذه القاعدة تعديًا على حق الإضراب، خاصة في حالات يكون فيها العمال مجبرين على الإضراب بسبب إخلالات من قبل المشغل، كالتأخير في دفع الأجور أو التضييق على الحريات النقابية.
وطالب المجلس بضرورة تحقيق توازن معقول في هذه الاقتطاعات بحيث تتناسب مع مدة الإضراب وأسبابه، إلى جانب تطبيق استثناءات تضمن حق العمال في التعبير عن احتجاجاتهم دون المساس بحقوقهم المادية الأساسية.
وعلى الجانب الآخر، عبرت النقابات الكبرى، وخاصة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عن رفضها القاطع لمشروع القانون، مشيرة إلى أنه لم يخضع لمشاورات حقيقية مع الأطراف الاجتماعية، ما يجعله مخالفًا لروح الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحرية العمل النقابي.
وترى هذه النقابات أن هذا القانون قد يتحول إلى أداة لتقييد حق الإضراب، بدلًا من أن يكون وسيلة لتنظيمه وحمايته.
ويأتي موقف النقابات مدعومًا بانتقادات لاذعة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي اعتبر أن النص الحالي يغلب عليه الطابع الزجري، خاصة أن 12 مادة من أصل 49 في المشروع تتناول العقوبات.
وأشار المجلس إلى أن هذه المقاربة تجعل من الصعب على العمال ممارسة حقهم في الإضراب، ودعا إلى إعادة النظر في بعض المفاهيم الأساسية، بما في ذلك تعريف الإضراب نفسه، حتى يتسنى لجميع الفئات المهنية ممارسة هذا الحق الدستوري، بما في ذلك العاملات والعمال المنزليون والمهن الحرة.
وتواجه الحكومة في هذا السياق تحديات كبيرة لتحقيق توازن بين حقوق العمال ومتطلبات الإنتاجية الاقتصادية.
وتبقى الأنظار معلقة على ما ستسفر عنه المناقشات القادمة، وما إذا كانت الحكومة ستستجيب لمطالب النقابات وتعمل على مراجعة بعض مواد المشروع، أو ستتمسك بموقفها، مما قد يدفع النقابات إلى تصعيد احتجاجاتها.