تجديد الأسواق بالدار البيضاء.. خطوة نحو التنمية أم تهديد لأرزاق التجار

في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها مدينة الدار البيضاء، تعكف الجهات المنتخبة على إطلاق مشاريع كبرى لتأهيل الأسواق والمركبات التجارية في المدينة، مما أثار موجة من التخوفات لدى التجار الذين يرون في هذه الخطط تهديدًا مباشرًا لاستقرارهم الاقتصادي.
ورغم التطلعات الإيجابية التي تحملها هذه المبادرات لتحديث البنية التحتية التجارية في العاصمة الاقتصادية، فإنها تضع التجار في حالة من الترقب والخوف من انعكاسات المشروع على مصادر أرزاقهم.
تسعى السلطات إلى تحسين البنية التحتية للأسواق التقليدية ورفع جاذبية المدينة كوجهة تجارية رئيسية في المغرب، من خلال إنهاء فوضى الباعة الجائلين وإعادة تنظيم احتلال الملك العام.
وتوصلت "الجريدة 24" بقائمة تشمل عدة أسواق ومركبات تجارية ضمن خطط التأهيل، وسط آمال بأن تعود هذه المشاريع بالفائدة على المدينة وتجعلها أكثر استقطاباً للتجارة والسياحة، لكن في المقابل، فإن آثارها غير الواضحة على التجار تبقى محل جدل.
ومن بين المشاريع التي تأتي ضمن خطط التأهيل الكبرى، تجديد ثلاثة أسواق في حي سيدي البرنوصي، وهي سوق طارق، سوق المنصور، وسوق القدس، بتكلفة تقديرية تبلغ 90 مليون درهم.
ويتم تنفيذ هذا المشروع من خلال شراكة بين مجلس عمالة الدار البيضاء، مجلس مقاطعة البرنوصي، مجلس جماعة الدار البيضاء، مجلس جهة الدار البيضاء-سطات، وشركة الدار البيضاء للتجهيزات.
وعلى مستوى عمالة الحي الحسني، تستعد السلطات لإعادة تأهيل المركب التجاري والحرفي في ليساسفة وسوق السعادة، بتكلفة إجمالية قدرها 18 مليون درهم، بهدف تحسين بيئة العمل ودعم صغار التجار.
كما تركز رئيسة مقاطعة سيدي بليوط كنزة الشرايبي على مشروع تطوير سوق باب مراكش ليكون وجهة تجارية حديثة، وذلك بتكلفة إجمالية تبلغ 70 مليون درهم، موزعة بين مجلس جهة الدار البيضاء، مجلس جماعة الدار البيضاء، ومجلس عمالة الدار البيضاء.
لكن التوجهات الأخيرة لمجلس جماعة الدار البيضاء بشأن تأهيل بعض الأسواق لم تلقَ قبولًا إيجابيًا بين بعض التجار، خصوصًا في "مارشي سنطرال".
وأبدى عدد كبير من التجار هناك استياءهم بعد مصادقة المجلس على النقطة رقم 24 من جدول أعمال دورته لشهر أكتوبر، والتي تتضمن مخططًا لإعادة تأهيل السوق، دون التواصل معهم أو تزويدهم بمعلومات حول كيفية تنفيذ الأشغال وتأثيرها على أعمالهم.
يخشى التجار أن يُجبروا على إغلاق محلاتهم لفترات طويلة، مما يهدد استقرارهم المالي ويضعهم أمام تحديات معيشية صعبة، إذ تعتمد أسرهم بشكل كامل على هذه الأنشطة التجارية.
ويطالب التجار المتضررون بإيجاد حلول عملية وبديلة تتيح لهم متابعة نشاطهم دون أن تؤدي إلى تدهور أوضاعهم الاقتصادية، ويدعون إلى حوار مفتوح مع المسؤولين لحماية حقوقهم وضمان استمرارية عملهم في ظل هذه التحولات.
وفي إطار آخر، تشهد مقاطعة سيدي بليوط حالة من التوتر بين التجار المحليين والمجلس بقيادة الرئيسة كنزة الشرايبي. ويأتي هذا التوتر إثر قرار هدم المحلات التجارية في زنقة موحى وسعيد، وهو ما أثار حفيظة العديد من التجار الذين يعتبرون هذا القرار تهديدًا مباشرًا لمصدر دخلهم الأساسي.
يرى التجار أن القرار، رغم وعود المجلس بنقلهم إلى مواقع جديدة، لا يزال غير واضح على أرض الواقع، خاصة مع عدم توفير بدائل ملموسة حتى الآن.
يعبر التجار عن تخوفهم المتزايد من تكرار مشهد سابق، حيث تم هدم بعض المحلات قبل عدة شهور دون توفير محلات بديلة، مما زاد من حالة القلق لدى أصحاب المحلات المهددة بالهدم حاليًا. وتلوح بوادر احتجاجات وتجمعات مطلبية، إذ يهدد التجار باللجوء إلى الوقفات الاحتجاجية في حال استمرت الأوضاع دون حل يضمن لهم استقرارهم المهني والاجتماعي.
وسط هذه التحديات، يبقى التجار في انتظار تدخل فعّال من السلطات لتحقيق توازن بين طموحات تطوير المدينة وبين حقهم في ممارسة أعمالهم ضمن ظروف تضمن لهم الاستمرارية وتحفظ لهم مصدر رزقهم، مما يتطلب تفعيل حوار فعّال وشفاف يطمئن جميع الأطراف ويدعم تطور المدينة دون أن يكون ذلك على حساب فئات اجتماعية مستضعفة.