الأغلبية تتغنى بالنجاحات والمعارضة تطالب بالعدالة المجالية.. أي مستقبل للصناعة المغربية؟

**الصناعة المغربية: تطور استراتيجي وتحديات مستمرة**
تشكل الصناعة الوطنية المغربية أحد المحاور الاستراتيجية للنهوض بالاقتصاد الوطني وتعزيز قدراته التنافسية في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية.
في جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بمجلس المستشارين، تبلورت رؤى متعددة حول إنجازات المنظومة الصناعية بالمغرب، بين إشادة بما تحقق من تقدم ملموس، وانتقادات تدعو إلى معالجة الثغرات القائمة وتوسيع نطاق التنمية المتوازنة.
فرق الأغلبية في المجلس أجمعت على أن الصناعة أصبحت ركيزة أساسية لاستقرار الاقتصاد الوطني، خصوصاً في ظل الاضطرابات المناخية وتأثيراتها السلبية على القطاع الفلاحي، والتحديات التي تواجه القطاع السياحي بسبب التوترات الخارجية.
وأوضح النائب البرلماني مولاي المصطفى العلوي الإسماعيلي أن المغرب نجح في بناء منظومة صناعية قوية ومستدامة، قادرة على مواجهة الأزمات المتلاحقة مثل جائحة كورونا، وزلزال الحوز، وفيضانات الجنوب الشرقي.
هذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة لسياسات استثمارية شملت تطوير البنى التحتية وتحفيز ريادة الأعمال، مع اعتماد خارطة طريق لتحسين مناخ الأعمال بحلول عام 2026.
إضافةً إلى ذلك، اعتبر العلوي الإسماعيلي أن الصناعة الغذائية، بخصوصياتها الجهوية، توفر حلاً عملياً لمعالجة البطالة في المناطق القروية، مما يجعلها ركيزة اقتصادية واجتماعية في آن واحد.
فيما أكد عبد الكريم همس، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، على أهمية الصناعة في حماية الاقتصاد الوطني من تقلبات السوق العالمية، مشيراً إلى الإنجازات اللافتة في قطاعات السيارات والطيران والطاقة المتجددة.
كما شدد على ضرورة مواجهة تحدي ندرة العقار المخصص للصناعة، مع تعزيز توظيف الشباب العاطل عن العمل وتسهيل التمويل للمقاولات الصغيرة والمتوسطة.
في سياق متصل، أشاد محمد زيدوح، عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، بالحصيلة الإيجابية للصناعة المغربية خلال العقدين الماضيين، إذ تضاعف عدد الوظائف والشركات الصناعية، كما ارتفعت الصادرات الصناعية بشكل لافت، مما عزز مكانة المغرب كفاعل رئيسي في قطاعات السيارات والطاقة والصناعات الغذائية.
ومع كل هذه النجاحات، أبدت المعارضة البرلمانية، ممثلة في يونس الملال عن الفريق الحركي، قلقها بشأن غياب العدالة المجالية في توزيع الاستثمارات الصناعية بين الجهات، داعية إلى تفعيل ميثاق الاستثمار الجديد وتطوير المراكز الجهوية للاستثمار.
وانتقد الملال أيضاً المنظومة المالية التي تمول فقط نسبة ضئيلة من المشاريع الصناعية، داعياً إلى تشجيع الابتكار ودعم المقاولات الوطنية.
من جهته، أثار يوسف أيذي، رئيس الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية، تساؤلات حول قدرة المغرب على تحقيق السيادة الصناعية.
رغم استقطاب 140 شركة عالمية في قطاع الطيران، أبرز المتحدث ذاته، أن المغرب لا يزال يقتصر على تصنيع مكونات بسيطة، مع غياب قدرات التصميم الهندسي المتقدم.
مضيفا أن المغرب يعتبر كمُنفذ وليس كمبتكر في سوق عالمية تزداد تنافسيتها.
ويبقى تحدي تعزيز الثقة بالمنتوج المغربي، حسب المتحدث ذاته، أحد المحاور الأساسية للنقاش، إذ أن العديد من المواطنين ما زالوا يفضلون السيارات المستوردة على تلك المصنعة محلياً، مما يفرض على الحكومة والمصنعين جهوداً إضافية لتحسين الجودة وتعزيز الثقة.
بين نجاحات تستحق الإشادة وتحديات تدعو للإصلاح، تبدو الصناعة المغربية أمام مرحلة حاسمة تتطلب المزيد من التنسيق بين الحكومة والمعارضة والقطاعين العام والخاص لتحقيق تطور شامل ومتوازن، يضمن العدالة المجالية والاستدامة الاقتصادية في آن واحد.