أسئلة غير متوقعة تُربك الوزراء.. أطفال البرلمان يناقشون قضايا حساسة

الكاتب : انس شريد

20 نوفمبر 2024 - 07:30
الخط :

في مشهد غير مألوف ومليء بالإثارة، شهدت قبة البرلمان المغربي جلسة استثنائية كان أبطالها أطفال برلمانيون وجهوا سهام أسئلتهم الجريئة والمباشرة إلى الوزراء.

بأسلوب صريح يعكس وعيًا متقدمًا بقضاياهم، أثار الأطفال مواضيع حساسة تتعلق بالصحة النفسية، استغلال الأطفال في التسول، وحماية الطفولة بالمناطق النائية.

المفاجأة لم تكن فقط في حدة الأسئلة، بل في الطريقة التي وضعت الوزراء أمام مسؤولياتهم بشكل غير معتاد، حيث تحول البرلمان إلى منبر للمصارحة ومحاسبة حقيقية في قضايا تمس مستقبل الطفولة المغربية.

في خطوة جريئة تعكس وعيًا متقدمًا بقضايا الطفولة بالمغرب، أحرجت طفلة برلمانية وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي، بإثارتها معضلة التفاوت الكبير في الرعاية الصحية النفسية بين المدن الكبرى والمناطق النائية.

ولم تكتف الطفلة البرلمانية، بالتنويه بالجهود المبذولة في مدن مثل الدار البيضاء والرباط، بل أكدت أن هذه المدن تستأثر بوحدات متخصصة للصحة النفسية للأطفال والمراهقين، بينما تعاني المناطق النائية من غياب هذه الخدمات الحيوية.

وفي تصريح مباشر قالت: "نثمن المجهودات المبذولة في المدن الكبرى، ولكن لماذا يُحرم أطفال المناطق البعيدة من حقهم في العلاج النفسي؟ هل أطفالهم أقل أهمية؟.

مما وضع وزير الصحة في موقف صعب أمام الحاضرين.

وردًا على ذلك، أشار الوزير إلى شراكة جديدة مع المرصد الوطني لحقوق الطفل لإرساء آلية وطنية للتكفل بالصدمات النفسية، لكنه لم يوضح جدولاً زمنيًا أو خطة تفصيلية لتعميم هذه الخدمات.

الانتقادات لم تتوقف عند الصحة النفسية، فقد أثارت طفلة برلمانية أخرى قضية استغلال الأطفال في التسول والدعارة، معتبرة أن هذه الظاهرة تُلحق أضرارًا بسمعة المغرب، خاصة مع اقتراب تنظيم كأس العالم 2030.

في مداخلة لاذعة، قالت: :كيف نستعد لاستقبال العالم ونحن عاجزون عن حماية أطفالنا من الشوارع؟"، مضيفة أن الجهود المبذولة حتى الآن لم تحقق التغيير المنشود.

ردًا على ذلك، أكدت وزيرة الأسرة والتضامن نعيمة اليحياوي أن الوزارة تعتمد ثلاث مقاربات لحماية الطفولة، تشمل التوعية، الوقاية، وإعادة الإدماج. لكنها أقرت بوجود تحديات كبيرة تتطلب تعاونًا مشتركًا بين القطاعات.

كما أشارت إلى برامج تستهدف مكافحة التسول والاستغلال، لكنها لم توضح بشكل كافٍ كيفية تفعيل هذه المبادرات على أرض الواقع.

وفي سياق مشابه، سلط الأطفال البرلمانيون الضوء على استغلال الأطفال ذوي الإعاقة، حيث أشاروا إلى أن الكثير من هؤلاء الأطفال لا يستفيدون من الخدمات المقدمة بسبب عدم إبلاغ الأسر عن إعاقتهم.

وأكدت الوزيرة نعيمة بنيحيى، أن الوزارة تعمل مع عدد من الفاعلين لتقديم الدعم المناسب، لكنها لم تُخفِ التحديات الاجتماعية والثقافية التي تعيق هذه الجهود.

على الجانب الآخر، كان لوزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد نصيب من الأسئلة الصعبة، حيث طُرحت عليه قضية نقص مراكز حماية الطفولة في المناطق القروية.

وكشف الوزير عن مشروع قانون جديد لإنشاء وكالة مختصة بحماية الأطفال الذين يواجهون مشكلات قانونية، مؤكدًا أن هذا المشروع قيد التطوير وسيخرج قريبًا للنور.

ولم يكن قطاع المقاولات والتكوين المهني والشغل والكفاءات، بمنأى عن الأسئلة الجريئة التي وجهها الأطفال البرلمانيون، حيث وجد الوزير الوصي، يونس السكوري، نفسه أمام مطالب بإجابات واضحة حول تشغيل الأطفال في المغرب.

وأوضح السكوري في محاولة لتقديم معطيات مطمئنة، أن الدولة حققت تقدمًا مهمًا في هذا الملف، مشيرًا إلى أن قبول طلب المغرب لاستضافة المؤتمر الدولي للحد من تشغيل الأطفال يُعد تتويجًا للجهود المبذولة في هذا الإطار.

الوزير لم يكتفِ بالإشارة إلى التقدم النوعي، بل دعم حديثه بأرقام دقيقة، حيث أشار إلى أن أحدث إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط تُظهر أن نسبة الأطفال المشتغلين تقلصت إلى 1.6% من أصل 7 ملايين طفل مغربي، مما يعكس إنجازات ملموسة.

وأضاف السكوري بحماس: "خلال السنوات الخمس الأخيرة، حققنا تقليصًا بنسبة 50% في ظاهرة تشغيل الأطفال، وهذا دليل على التزامنا بحماية حقوق الطفل."

لكن خلف هذه الأرقام، كشف الوزير عن تحديات لا تزال قائمة، موضحًا أن 90% من الأطفال المشتغلين يوجدون في العالم القروي، و75% منهم تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا، وغالبًا ما يعملون لدعم أسرهم، الأخطر من ذلك، أن 50% من هؤلاء الأطفال يواجهون مشكلة الانقطاع عن الدراسة، وهو ما يسلط الضوء على إشكالية مزدوجة تتعلق بالعمل والتعليم.

الحديث عن هذه الإحصائيات لم يكن كافيًا لتهدئة أسئلة الأطفال البرلمانيين، الذين واصلوا مطالبة الوزير بخطوات ملموسة لمعالجة جذور المشكلة، وسط أجواء من النقاش الحيوي الذي وضع معاناة الطفولة المغربية تحت الأضواء.

هذه الجلسة لم تكن مجرد مناسبة لتبادل الآراء، بل شكلت لحظة حقيقية لتسليط الضوء على قضايا الأطفال التي طالما ظلت على الهامش.

وبرغم التطمينات التي قدمها الوزراء، فإن وعي الأطفال البرلمانيين بقضاياهم يرسل رسالة واضحة: الطفولة المغربية تحتاج إلى تحرك عاجل، فوري، وشامل لضمان مستقبل أفضل.

آخر الأخبار