النفايات الهامدة.. كابوس يهدد جمالية الدار البيضاء

في شوارع الدار البيضاء الصاخبة، تتراكم أكوام النفايات الهامدة في زوايا الأحياء والأزقة، كأنها أطلال صامتة تروي قصص الإهمال والتجاهل.
هذه النفايات التي تتنوع بين بقايا مواد البناء وأتربة الإصلاحات المنزلية، تحولت إلى كابوس يومي يلاحق سكان العاصمة الاقتصادية، ويدفعهم للتساؤل: من يتحمل المسؤولية؟
وباتت المدينة التي طالما كانت رمزًا للحيوية والتنمية الاقتصادية، اليوم تواجه تحديًا بيئيًا يلقي بظلاله على كل جوانب الحياة.
والمشكلة ليست جديدة، لكن تفاقمها في الآونة الأخيرة جعل منها محور حديث المواطنين والمجالس المنتخبة على حد سواء.
ورغم أن جماعة الدار البيضاء خصصت مطرحًا خاصًا لهذه النفايات بتكلفة رمزية لا تتجاوز 10 دراهم، إلا أن عدم التزام الكثيرين برمي النفايات في المكان المخصص أعاد الأزمة إلى الواجهة.
وسبق أن أكد أحمد أفيلال، نائب العمدة المكلف بتدبير قطاع النظافة، أن هذه السلوكيات لن تمر دون عقاب.
وأعلن المسؤول أن السلطات المحلية ستبدأ في تطبيق غرامات مالية على المخالفين، كإجراء لحل هذه المعضلة التي تشوه من صورة العاصمة الاقتصادية المقبلة على احتضان عدد من التظاهرات الكروية على رأسها كأس أمم إفريقيا 2025.
لكن هذه الخطوة، التي يُفترض أن تكون جزءًا من الحل، أثارت زوبعة من الجدل داخل أروقة المجلس الجماعي وخارجه.
وكان مصطفى منظور، مستشار في المجلس عن حزب التقدم والاشتراكية، من أبرز المنتقدين لهذا الإجراء.
في جلسة ساخنة بدورة أكتوبر الماضي، عبّر منظور عن استيائه من هذه الغرامات التي وصفها بالمجحفة وغير العادلة.
وأشار إلى غياب أدوات دقيقة لقياس كمية النفايات التي يتم التخلص منها، ما يفتح الباب أمام فرض رسوم عشوائية على المواطنين.
هذه الغرامات، حسب منظور، تتراوح ما بين 50 إلى 60 ألف درهم، وهي مبالغ كبيرة تم إشعار مئات المواطنين بضرورة دفعها.
ما يزيد الأمر تعقيدًا هو الاتهامات الموجهة إلى الشركات المكلفة بجمع النفايات، التي يُعتقد أنها تفرض رسومًا مرتفعة دون الاعتماد على معايير واضحة.
الشكوك حول شفافية هذه العمليات تضيف بُعدًا آخر للأزمة، وتجعل من الصعب إقناع السكان بأن الإجراءات المتخذة تصب في مصلحتهم.
في المقابل، ترى الجماعة أن فرض الغرامات يشكل وسيلة ضرورية لردع المخالفين وتعزيز المداخيل المالية للمدينة، خاصة في ظل التكاليف المرتفعة لإدارة قطاع النظافة.
لكن هذا المبرر لم يكن كافيًا لتهدئة غضب المواطنين، الذين يشعرون أنهم يُحمّلون عبء المشكلة بينما يستمر البعض في التخلص من مخلفات البناء بطرق غير قانونية دون أي محاسبة.
وفي مشهد يُبرز حجم الأزمة، تُستخدم حاويات الأزبال المنتشرة في الأحياء كمواقع بديلة للتخلص من النفايات الهامدة، حسب ما عايينته الجريدة 24، حيث يترك المسؤولون عن أوراش البناء مخلفاتهم دون مبالاة بالتكاليف البيئية والاجتماعية لهذه السلوكيات.
ويتكرر المشهد ذاته في مناطق مختلفة من المدينة، من حي مولاي رشيد إلى ضواحي الأحياء الحديثة.
مع مرور الوقت، تبدو أزمة النفايات الهامدة كأنها كرة ثلج تكبر كلما أهملت.
هي ليست مجرد أكوام من الحجارة والجبص، بل انعكاس لمعضلة أعمق تتعلق بالحوكمة، والمسؤولية المشتركة، والوعي المجتمعي.
وتجد المدينة التي تطمح لأن تكون مركزًا للتنمية المستدامة، نفسها عالقة في مأزق بيئي قد يهدد سمعتها وطموحاتها.