بركة يُطلق شرارة المستقبل.. هل يصبح النفق البحري بين المغرب وإسبانيا حقيقة؟

في خطوة جريئة تجمع بين الرؤية الاستراتيجية والطموح الهندسي، يتأهب المغرب وإسبانيا لتدشين مرحلة جديدة من مشروع النفق البحري الذي سيربط القارتين الإفريقية والأوروبية عبر مضيق جبل طارق.
ويعكس المشروع الذي يشكل جزءاً من حلم طويل الأمد، تحولاً جوهرياً في التعاون بين البلدين، حيث تتشابك الأبعاد الهندسية، الاقتصادية، والجيوسياسية في آن واحد.
التطورات الأخيرة كشفت عنها تصريحات وزير التجهيز والماء نزار بركة، الذي أعلن عن إطلاق دراسة هندسية تفصيلية لإنشاء نفق تجريبي تحت الماء.
وأكد بركة، اليوم الثلاثاء، خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة التجهيز والماء بلجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس المستشارين، أن الهدف من هذه الخطوة هو جمع بيانات دقيقة تُسهم في معالجة التحديات الجيولوجية والزلزالية التي يفرضها الموقع، بالإضافة إلى تحديد المسار الأكثر أماناً واستقراراً للنفق الرئيسي.
هذا النفق التجريبي، حسب بركة، سيمتد بطول يصل إلى 30 كيلومتراً، يعكس التزام المغرب بتبني تقنيات مبتكرة لضمان نجاح المشروع.
في السياق ذاته، أعلنت الحكومة الإسبانية عن تأجير أربعة أجهزة زلزالية متقدمة بقيمة 486 ألف أورو، ستُستخدم في دراسة النشاط الزلزالي لقاع المضيق.
هذه الخطوة تُبرز مدى جدية الجانبين في مواجهة التحديات الطبيعية التي قد تعترض هذا المشروع الطموح.
وستشرف الأجهزة ستُشرف عليها جهات بحثية إسبانية متخصصة، بالتعاون مع المعهد الملكي والمرصد البحري الإسباني في سان فرناندو، ما يعزز الطابع العلمي والدولي للمشروع.
ويعود تاريخ المشروع يعود إلى عام 1980 حينما وُقعت أول اتفاقية بين المغرب وإسبانيا لدراسة فكرة الربط الثابت بين القارتين.
وعلى مدار العقود التالية، أُجريت العديد من الدراسات التقنية والهندسية، بما في ذلك عمليات حفر تحت الماء واختبارات زلزالية بالقرب من طنجة وطريفة.
ومع ذلك، فإن المشروع ظل يراوح مكانه حتى أعادته التطورات الأخيرة في العلاقات الثنائية إلى الواجهة، لا سيما في ظل الاستعدادات المشتركة لتنظيم كأس العالم 2030 بالشراكة مع البرتغال.
الطموح الحالي يتجاوز إنشاء مجرد نفق بحري، ليصل إلى تصور متكامل لرابط اقتصادي واجتماعي يعزز التجارة والسياحة ويعكس مدى الترابط بين شعبي القارتين.
وتشير الأرقام المتاحة إلى أن النفق، الذي يُتوقع أن يمتد بين بونتا بالوما في إسبانيا وطنجة في المغرب، سيكون بطول إجمالي يصل إلى 38.5 كيلومتراً، منها 27.7 كيلومتراً تحت الماء.
هذا الطول، وفقا لما أكدته التقارير الاسبانية، يمثل تحدياً هندسياً استثنائياً يتطلب أعلى مستويات التنسيق والتخطيط.
وأضافت التقارير الإعلامية الإسبانية، أن لتحديات الجيولوجية والزلزالية ليست العقبة الوحيدة أمام المشروع؛ فهناك أيضاً تحديات مالية وسياسية.
ومع ذلك، فإن الإرادة المشتركة التي أظهرتها حكومتا البلدين، مدعومة بشراكات مع مؤسسات دولية متخصصة، تُعد مؤشراً إيجابياً على جدية التنفيذ.
الرقمنة التي تبنتها وزارة التجهيز والماء المغربية لإدارة وثائق المشروع، والتحديث المستمر لقاعدة البيانات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة به، يعكس مستوى متقدماً من التخطيط الاستراتيجي.
على صعيد العلاقات الثنائية، يمثل هذا المشروع خطوة كبيرة نحو تعزيز الشراكة بين المغرب وإسبانيا.
فالتعاون في مجالات الهندسة، الطاقة، والنقل يُبرز مدى الترابط بين أهداف البلدين الاستراتيجية.
كما أن التزامهما المشترك بهذا المشروع الضخم يُظهر أنهما يعيدان صياغة العلاقات التقليدية بين الشمال والجنوب، ليصبحا شريكين حقيقيين في التنمية الإقليمية.
رغم كل التحديات، تبقى الآمال معقودة على أن يرى هذا المشروع الطموح النور في المستقبل القريب.
ليس فقط كوسيلة نقل جديدة، بل كرمز للوحدة والتعاون بين القارتين، ومثال يحتذى به في مواجهة التحديات الهندسية والسياسية لتحقيق تطلعات مشتركة تخدم الأجيال القادمة.