عقبات تواجه تعميم الرعاية الصحية في المغرب

أصدرت مبادرة الإصلاح العربي دراسة ميدانية حديثة أعدها السوسيولوجي عبد الهادي الحلحولي، استعرضت فيها التحديات التي تواجه مشروع تعميم التغطية الصحية بالمغرب، بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على إطلاق ورش الحماية الاجتماعية.
الدراسة، التي جاءت نتيجة مقابلات ميدانية مع خبراء وممثلين عن الفئات الهشة، كشفت عن العديد من الفجوات التي تعيق تحقيق الأهداف المأمولة، رغم الإشارات الإيجابية على تحول السياسات الاجتماعية.
فجوة في العدالة
وأبرزت الدراسة أن ربط الاستفادة من الرعاية الصحية بنظام الاستهداف الاجتماعي يعاني من هشاشة في معايير الاختيار، ما يؤدي إلى إقصاء فئات مستحقة تصنَّف خارج عتبة الاستفادة.
هذا الإقصاء، وفق التقرير، يُناقض رؤية الحماية الصحية كحق إنساني، حيث يكرّس تفاوتاً اجتماعياً جديداً ويزيد من معاناة الفئات الهشة، خصوصاً العاملين في القطاع غير المهيكل، واللاجئين، والمهاجرين.
ضبابية التمويل
وأشار التقرير إلى غموض يعتري كيفية تمويل مشروع التغطية الصحية الشاملة.
الدراسة نبهت إلى أن الدولة، التي تتحمل النصيب الأكبر من المساهمات نيابة عن الفئات الهشة، تواجه صعوبة في ضمان استدامة المشروع في ظل الضعف الاقتصادي لبعض الفئات ورفض البعض الآخر الانخراط في الضمان الاجتماعي الرسمي.
غياب الإنصاف في الرعاية
ورصدت الدراسة غياب التغطية الصحية الشاملة لفئات مثل الأمهات العاملات في القطاع غير الرسمي، رغم أعدادهن الكبيرة، ومحدودية الخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة.
وبيّنت أن تعدد احتياجات ذوي الإعاقة، بسبب اختلاف طبيعة إعاقاتهم، يجعل النظام الصحي غير متجانس في تغطيته لهذه الشريحة.
تجاهل المهاجرين واللاجئين
وتُعدّ قضية استثناء المهاجرين واللاجئين من التغطية الصحية تحدياً آخر.
الدراسة أكدت أن استبعاد هذه الفئات كلياً يتعارض مع المبادئ الحقوقية العالمية، التي تقتضي شمولية الحق في الصحة بغض النظر عن الوضع القانوني للأفراد.
الفجوة الرقمية والعوائق الإدارية
وأبرزت الدراسة فجوة رقمية تعيق وصول المعوزين وكبار السن وسكان المناطق النائية إلى الخدمات الصحية.
ذات المصدر نبه إلى أن التعقيدات الإدارية ونقص البدائل المناسبة تُفاقم من هذه التحديات، مما يجعل الفئات المهمشة أكثر عرضة للإقصاء.
إشارات إيجابية رغم التحديات
ورغم هذه الفجوات، أظهرت الدراسة دينامية إيجابية في المشهد الاجتماعي.
وبدأت فئات مستهدفة تجد طريقها إلى الاستفادة من العلاجات والتعويضات عن تكاليف العلاج، ما يُبرز تحولاً ملموساً في منظومة الضمان الاجتماعي.
توصيات
يشير التقرير إلى أن تعميم التغطية الصحية في المغرب يُعد خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، لكنه يواجه تحديات كبيرة تتطلب معالجة هيكلية.
ويوصي بإعادة النظر في نظام الاستهداف لضمان شمولية وعدالة أكبر، وضمان تمويل مستدام عبر إصلاحات مالية واقتصادية شاملة.
كما يدعو إلى توفير رعاية صحية عادلة لذوي الإعاقة، والمهاجرين، والعاملين في القطاع غير المهيكل، إضافة إلى تعزيز البنية التحتية الرقمية وتبسيط الإجراءات الإدارية لضمان وصول شامل وعادل للخدمات الصحية.
بين الطموح والتحديات، يبقى مشروع تعميم التغطية الصحية في المغرب امتحاناً لقدرة الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية في إطار رؤية حقوقية وإنسانية شاملة.