إعفاء الضرائب عن المتقاعدين.. بين الإنجاز الاقتصادي والتحول الاجتماعي

الكاتب : انس شريد

06 ديسمبر 2024 - 10:00
الخط :

في خطوة تُعدّ نقطة تحول تاريخية، أعلنت الحكومة المغربية عن إعفاء معاشات التقاعد من الضريبة على الدخل، منهيةً بذلك معاناة فئة كبيرة من المتقاعدين الذين طالما انتظروا هذا القرار لعقود.

هذا الإجراء الذي يأتي استجابةً لمطالب النقابات والهيئات البرلمانية، لا يُمثل فقط إنصافًا اقتصاديًا لفئة أرهقتها ضغوط الحياة بعد سنوات طويلة من العمل، بل يسلط الضوء أيضًا على رؤية جديدة تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

القرار الذي أثار ارتياحًا واسعًا بين المتقاعدين وأسرهم سيُنفذ على مرحلتين: تبدأ الأولى في يناير 2025 بتخفيض نسبة الضريبة على الدخل بنسبة 50%، تليها المرحلة الثانية في يناير 2026 حيث سيتم إلغاء الضريبة بشكل كامل.

وأكد الحكومة أن هذا الإجراء ليس مجرد خطوة اقتصادية، بل هو تعبير عن تقدير الدولة لدور المتقاعدين كمساهمين أساسيين في بناء الوطن.

هذا الإجراء التاريخي يهدف إلى رفع الأعباء عن شريحة كبيرة من المواطنين الذين أفنوا سنواتهم في العمل، ليتمكنوا من التمتع بثمار جهدهم دون أن يثقل كاهلهم المزيد من الاقتطاعات.

وأوضح الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، أن القرار سيوفر مبلغاً إجمالياً قدره 120 مليار سنتيم لصالح المتقاعدين.

لكن الأثر المادي ليس هو العنصر الوحيد الذي ركزت عليه الحكومة، بل يمتد التأثير إلى الجانب النفسي والمعنوي.

في كلمة خلال التصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2025، في قراءة ثانية داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب اليوم الجمعة، قال لقجع: "هذا الإجراء لا يتعلق فقط بتحقيق وفر مالي، بل يحمل أيضاً بعداً معنوياً يتمثل في فصل المتقاعد عن إدارة الضرائب، لن يكون المتقاعد مضطراً بعد اليوم لزيارة هذا المرفق، وهو ما يمثل شكلاً من أشكال المعالجة النفسية لهذه الفئة التي يجب أن تشعر بالتقدير والاحترام بعد سنوات من العطاء".

وأضاف: "نحن بحاجة إلى توافق وطني حول قضايا مثل إصلاح التقاعد. هذا الموضوع لا يحتمل الخلاف، بل يتطلب رؤية موحدة، لأن كل واحد منا لديه فرد في أسرته ينتمي لهذه الفئة، اليوم، نحن نبني على إصلاحات سابقة بدأت منذ حكومة عبد الرحمن اليوسفي، التي اعتمدت نظام تقاعد يعادل آخر أجر كإجراء تاريخي، ثم جاءت حكومة عبد الإله بنكيران بإجراءات جريئة للحفاظ على استدامة صناديق التقاعد. واليوم، نستكمل هذا المسار من خلال خطوات تهدف إلى تحسين أوضاع المتقاعدين، مع الحفاظ على ديمومة الصناديق وضمان حقوق الأجيال القادمة".

وأكد لقجع أن تحسين وضعية المتقاعدين كان وسيظل هدفاً رئيسياً، مشيراً إلى أن النقاش الحالي ليس حول كفاية المبالغ المخصصة، ولكن حول استمرار التقدم نحو الأفضل.

وأضاف: "لا شك أن هناك فجوات يجب أن نعمل على سدها، ولكن يجب أن نتذكر أيضاً من أين بدأنا، كانت هناك أوقات لم تتجاوز فيها بعض المعاشات 50 أو 60 درهماً، اليوم، نحن نتحدث عن إعفاء ضريبي سيستفيد منه الجميع، بما في ذلك من تصل معاشاتهم إلى 6000 درهم شهرياً.

مبرزا أن شريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة لن تكون ملزمة بدفع أي ضرائب على دخلها، وهو تحول كبير في نظام الحماية الاجتماعية".

وشددت الحكومة على أن هذا القرار يعكس رؤية شاملة تسعى إلى تحقيق التوازن بين العدالة الاجتماعية والاستدامة المالية. إصلاح التقاعد، وفقاً لما أشار إليه لقجع، ليس مجرد عملية اقتصادية، بل هو مسار تراكمي يعتمد على رؤية طويلة الأمد.

هذا القرار الجريء، الذي يعكس نضجًا سياسيًا واجتماعيًا، لم يحظَ فقط بإشادة النقابات والهيئات البرلمانية، بل لاقى استحسانًا واسعًا من المراقبين والمتابعين للشأن العام.

فهو لا يمثل مجرد إجراء مالي، بل يُظهر إرادة سياسية واضحة لتحسين حياة الفئات المهمشة وتعزيز العدالة الاجتماعية.

المتقاعدون، الذين يمثلون نبض تجربة طويلة من العمل والتضحية، يمكنهم الآن التطلع إلى مستقبل أكثر استقرارًا وأملًا، في ظل هذا التحول الكبير الذي يعكس رؤية جديدة لعلاقة الدولة بمواطنيها.

هذا القرار لن يُخفف فقط من أعباء الحياة اليومية، بل سيعيد أيضًا بناء الثقة في منظومة الحماية الاجتماعية، مما يجعل المغرب نموذجًا يحتذى به في تحقيق التوازن بين الإصلاحات الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

آخر الأخبار