إصلاحات غائبة وأزمات متصاعدة.. مستقبل جهاز تفتيش الشغل يُثير القلق

الكاتب : انس شريد

11 ديسمبر 2024 - 10:30
الخط :

في قلب المشهد الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب، يبرز جهاز تفتيش الشغل كخط الدفاع الأول عن حقوق الأجراء واستقرار سوق العمل. لكن خلف هذا الدور الحيوي، تكمن معاناة يومية يواجهها مفتشو الشغل بسبب النقص الحاد في الموارد البشرية والضغط الكبير على كاهلهم.

هذا الوضع أصبح حديث الساعة داخل أروقة البرلمان، حيث طُرحت تساؤلات ملحة حول مستقبل هذا الجهاز وقدرته على الاستمرار في أداء مهامه وسط تحديات متزايدة.

وتكشف الأرقام الرسمية عن جهود جبارة بذلها المفتشون رغم قلة عددهم، إذ تمكنوا من معالجة أكثر من 23 ألف نزاع فردي وتجنب مئات الإضرابات خلال العام الماضي.

لكن هذه الإحصائيات، التي قد تبدو مطمئنة ظاهريًا، تخفي وراءها واقعًا مريرًا يُعاني فيه المفتشون من الإرهاق المهني والصدامات اليومية مع بعض أرباب العمل الذين لا يترددون في التعدي عليهم لفظيًا وجسديًا، بل وأحيانًا جرهم إلى المحاكم.

في ظل هذه الظروف، يصبح التساؤل مشروعًا حول مدى قدرة المفتشين على الحفاظ على توازن سوق العمل وضمان تطبيق التشريعات الاجتماعية.

داخل قبة البرلمان، لم تتردد المستشارة لبنى علوي في توجيه انتقادات شديدة اللهجة للحكومة، متهمة إياها بالتقاعس عن معالجة هذا الوضع المقلق.

وأوضحت أن مقترحات سابقة لتعزيز عدد المفتشين بإضافة 100 منصب مالي لم تلقَ آذانًا صاغية، مما يُظهر تناقضًا صارخًا بين الخطابات الرسمية الداعمة لحقوق العمال والواقع الذي يعكس تهميش هذا الجهاز الحيوي.

كما طالبت بسرعة إخراج النظام الأساسي الخاص بمفتشي الشغل، مؤكدة أن هذا التأخير يُشكل عائقًا أمام تحسين أوضاعهم المهنية والاجتماعية، ويُفقدهم الحافز للقيام بمهامهم الشاقة.

من جانبه، حاول كاتب الدولة لدى وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات المكلف بالشغل، هشام صابري، تهدئة الأجواء.

وأقرّ بأن مفتشي الشغل يواجهون إكراهات ضخمة في أداء مهامهم، تبدأ من النقص العددي ولا تنتهي عند حدود التعرض للعنف اللفظي والجسدي من بعض المشغلين، بل تمتد إلى ملاحقات قضائية تُثقل كاهلهم.

وكشف صابري أيضًا عن بعض الأرقام المثيرة، حيث أوضح أن المفتشين نجحوا في معالجة 23,819 نزاعًا فرديًا و531 نزاعًا جماعيًا، إلى جانب تفادي 488 إضرابًا في 483 مؤسسة.

وعن مصير النظام الأساسي الخاص بهيئة تفتيش الشغل، كشف هشام صابري أن الوزارة قطعت خطوة أولى بإعداد مشروع تعديل يُفترض أن يحمل معه الأمل لجهاز يعاني تحت ضغط النقص الحاد والإكراهات اليومية.

وأوضح أن نقاشًا داخليًا قد فُتح لصياغة مشروع متكامل يُلبي الطموحات المتزايدة لهذه الفئة، وسط توقعات بطرح رؤية شاملة تُعيد لهذا الجهاز دوره الحيوي في المشهد العمالي.

وأضاف بنبرة توحي بالحذر أن الوزارة لم تكتفِ بذلك، بل انخرطت في حوار اجتماعي قطاعي مع التمثيليات النقابية والجمعية المغربية لمفتشي الشغل، حيث تم تداول مقترحات وصياغات متنوعة.

كما أوضح المسؤول، تعمل على تحسين وضعية المفتشين من خلال رقمنة عملهم عبر نظام "شغل كوم"، الذي يُفترض أنه يسهل متابعة الأنشطة وتوحيد منهجية العمل، مع تزويد المفتشين بأجهزة لوحية متصلة بالإنترنت لتحسين أدائهم.

بين تصريحات الحكومة وانتقادات النقابات، يبقى العامل المغربي الحلقة الأضعف في هذه المعادلة.

ويعطي غياب الرقابة الفعالة، الضوء الأخضر لبعض أرباب العمل لتجاوز القوانين، ما يُعرض العمال للاستغلال والإجحاف.

وفي الوقت الذي تتصارع فيه الأطراف على طاولة الحوار، تزداد النزاعات العمالية، وتتعقد قضايا حقوق الأجراء، الذين ينتظرون بفارغ الصبر تدخلًا حاسمًا يعيد الأمور إلى نصابها.

مع كل يوم يمر، تزداد الضغوط على جهاز تفتيش الشغل، ويزداد الإلحاح على إصلاح جذري يضمن استمرارية دوره في حماية حقوق الأجراء وتعزيز استقرار سوق العمل.

لكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه: هل ستتحرك الحكومة أخيرًا لتنفيذ وعودها أم سيبقى الوضع على ما هو عليه، ليترك العمال والمفتشين وحدهم في مواجهة تحديات لا تُطاق؟

آخر الأخبار