رسالة الملك تدفع نحو التغيير.. هل حان وقت تقنين النقل الذكي في المغرب؟

الكاتب : انس شريد

20 ديسمبر 2024 - 10:00
الخط :

في لحظة تحمل ملامح التغيير العميق، وجه جلالة الملك محمد السادس دعوة صريحة لتحديث قطاع النقل بالمغرب، معتبرًا إياه ركيزة أساسية لتحقيق قفزة نوعية في التنمية الشاملة.

هذه الدعوة، التي جاءت عبر رسالة ملكية سامية تلاها وزير الداخلية خلال المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بمدينة طنجة، لم تكن مجرد توجيه اعتيادي، بل كانت بمثابة إشارة واضحة إلى ضرورة تكييف هذا القطاع الحيوي مع التحديات الراهنة، خاصة مع اقتراب احتضان المملكة لكأس العالم 2030.

وشدد الملك على أن تطوير منظومة النقل ليس خيارًا بل حتمية، حيث ينبغي أن يتميز بالشمولية والاستدامة، ليصبح أداة فعالة في تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتحقيق تنمية جهوية مندمجة تجعل من المغرب نموذجًا إقليميًا يحتذى به.

مباشرة بعد تأكيد جلالة الملك على أهمية تطوير النقل، أشار إلى ضرورة إدخال التحول الرقمي في الجماعات الترابية، وهو ما أصبح الآن "شرطاً" لا يمكن الاستغناء عنه لمواكبة التطورات التكنولوجية العالمية.

وأكد أن هذه التحولات الرقمية تعد خطوة أساسية في دعم العمليات التنموية المحلية، خاصة في ظل التزايد المستمر لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في تدبير الشأن الترابي.

هذا التأكيد على التحول الرقمي، يتزامن مع الزيادة الملحوظة في استخدام تطبيقات النقل الذكي التي بدأت تشكل جزءاً لا يتجزأ من يوميات المغاربة.

ينما يثني كثيرون على هذه التطبيقات التي توفر حلاً فعالاً وسريعاً لمشكلة النقل في المدن الكبرى، نجد أن النقاش حول قانونيتها وتقنينها قد تصاعد بشكل لافت.

فقد أصبح النقل عبر التطبيقات الذكية جزءاً لا يمكن تجاهله في مجال التنقل اليومي، خاصة في ظل الأزمات التي يعاني منها قطاع سيارات الأجرة التقليدية من الاكتظاظ وسوء الخدمة في بعض الأحيان.

هذا الواقع دفع العديد من العاطلين إلى الانخراط في هذا القطاع، مما أتاح لهم فرص عمل جديدة وسط التحديات الاقتصادية، لكن الأمر لا يخلو من التوترات.

من جهة أخرى، تواجه هذه التطبيقات رفضاً قاطعاً من قبل نقابات سيارات الأجرة التي تعتبر هذه التطبيقات تهديداً لوجودها.

وأكد مصطفى الكيحل، الكاتب العام للاتحاد الديمقراطي المغربي للنقل، في حديث سابق للجريدة 24، أن هذه التطبيقات تعمل بشكل غير قانوني، مما يعرض أمن وسلامة الركاب للخطر.

وطالب بضرورة تدخل السلطات بحزم لضبط القطاع ومعاقبة كل من يشتغل خارج إطار القانون.

من وجهة نظر الكيحل، المشكلة لا تكمن فقط في المنافسة غير الشريفة، بل أيضاً في تأثير هذا النشاط على السائقين المهنيين الذين يعانون من ظروف عمل صعبة بسبب الريع وتدهور جودة الخدمات.

ووسط هذا الجدل المستمر، تصاعدت الأحداث إلى مواجهات مباشرة بين سائقي سيارات الأجرة وسائقي التطبيقات الذكية في شوارع المدن، وكان أبرزها الحادث الذي وقع في الدار البيضاء قبل أسابيع عندما تعرض سائق تطبيق ذكي للاعتداء من قبل سائق سيارة أجرة أثناء نقله لدبلوماسي روسي وزوجته.

هذا الحادث أثار موجة من الغضب بين المواطنين، ودفع الكثيرين إلى المطالبة بحل سريع لهذه الأزمة المتفاقمة.

في ظل هذه الأجواء المشحونة، انقسمت مواقف النقابات والجمعيات المدنية بين من يطالب بوقف نشاط هذه التطبيقات نهائيًا، ومن يرى ضرورة تقنينها بما يضمن مصالح جميع الأطراف.

هناك من يرى أن هذا القطاع يجب أن يتم تنظيمه ليواكب التطورات الحديثة ويضمن تسهيل الحياة اليومية للمواطنين، في حين أن آخرين يشددون على ضرورة فرض غرامات وعقوبات قاسية على العاملين في هذا المجال لضمان حقوق المهنيين التقليديين.

مع تصاعد الجدل حول هذا الموضوع، يصبح من الواضح أن الوقت قد حان لتدخل حكومي ينظم هذا القطاع بشكل يحقق التوازن بين الابتكار وحقوق المهنيين التقليديين.

قد يشكل تقنين النقل عبر التطبيقات الذكية خطوة هامة نحو تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تعزز من جاذبية المملكة كمركز عالمي للاستثمار والسياحة، خاصة أن المغرب مقبل على استضافة عدد من التظاهرات العالمية، أبرزهما كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030.

هذا الملف، الذي أصبح يشغل الجميع، قد يكون بمثابة اختبار حقيقي لقدرة المغرب على مواكبة التحولات التكنولوجية دون الإضرار بالقطاعات التقليدية للنقل التي تعتبر جزءاً أساسياً من نسيجه الاقتصادي والاجتماعي.

آخر الأخبار