تأخر مرسوم الدعم للمقاولات الصغرى يضع الحكومة في قلب الجدل

يبدو أن ملف دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، أصبح محور جدل ساخن في الأوساط الاقتصادية والسياسية بالمغرب.
فرغم الأهمية الكبرى التي تمثلها هذه الفئة من المقاولات في النسيج الاقتصادي الوطني، حيث تشكل أزيد من 97% من المؤسسات الاقتصادية وتوفر من فرص العمل، إلا أن تأخر إصدار مرسوم الدعم الخاص بها يهدد بإفلاس المزيد منها.
وأوضحت المندوبية، حسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى الذي أُنجز هذه السنة، أن المقاولات الصغرى التي تشغل أقل من 10 مشتغلين تشغل 54% من اليد العاملة في المغرب، في حين تشغل المؤسسات التي تشغل 10 أشخاص فأكثر 46% من إجمالي المشتغلين بصفة دائمة.
وحسب القطاع، يبلغ متوسط عدد المشتغلين في المؤسسات الصناعية 7 أشخاص لكل مؤسسة.
أما بالنسبة لباقي القطاعات، فيبلغ متوسط المشتغلين في قطاع البناء 4 أشخاص لكل مؤسسة، وفي التجارة شخصين، أما بالنسبة لقطاع الخدمات فيبلغ المتوسط 4 أشخاص.
وتكشف الإحصائيات الأخيرة أن العام الماضي شهد إفلاس 33 ألف مقاولة، ومع التوقعات بأن يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 40 ألف بحلول نهاية 2024، يبدو أن الحكومة تجد نفسها أمام أزمة تتطلب تدخلاً سريعاً.
هذا التأخر أثار انتقادات واسعة من المعارضة البرلمانية التي طالبت بتوضيحات حول أسباب تعطل الدعم.
وطالب رشيد حموني، رئيس الفريق النيابي لحزب التقدم والاشتراكية، مؤخرا بعقد اجتماع للجنة المالية والتنمية الاقتصادية بحضور الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار ومدير الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات.
وحسب الحموني فإن الهدف من الاجتماع هو مناقشة تفعيل أنظمة دعم المشاريع الاستثمارية، بما فيها تلك التي تتمتع بطابع استراتيجي.
وأشار حموني في طلبه إلى أن النص التنظيمي الخاص بهذا الدعم صدر منذ فبراير 2023، لكن الحكومة لم تفعل مرسومه حتى الآن.
ويتيح القانون الإطار للجنة الوطنية للاستثمار صلاحية منح امتيازات خاصة للمشاريع الاستراتيجية التي تتجاوز قيمتها 2 مليار درهم.
ومع ذلك، ترى المعارضة البرلمانية أن الدعم الأساسي للمقاولات الصغرى والمتوسطة لا يزال غائباً، ما يعكس تراجعاً عن الوعود الحكومية السابقة.
وأعرب الحسن لشكر، النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية، مؤخرا، خلال أشغال الجلسة الشفهية بمجلس النواب، عن خيبة أمله من تأخر الحكومة في تفعيل هذا الدعم، مشيراً إلى أن ميثاق الاستثمار الصادر قبل سنتين لم يُترجم إلى إجراءات ملموسة حتى الآن.
وفي المقابل، حاول كريم زيدان، الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار وتقييم السياسات العمومية، في نفس الجلسة، الدفاع عن الحكومة، مؤكداً أن العمل جارٍ لتفعيل الدعم في أقرب وقت.
وشدد زيدان على أهمية المقاولات الصغرى والمتوسطة في تقوية النسيج الاقتصادي الوطني، مشيراً إلى أن الحكومة تبذل جهوداً كبيرة لإقرار هذا الدعم، لكن تصريحاته لم تكن كافية لتهدئة الانتقادات.
وفي خطوة لاحتواء الأزمة، عقدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، مؤخرا، اجتماعاً مع ممثلي الكنفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة والصغرى والمتوسطة في الدار البيضاء.
وشهد الاجتماع تفاعلاً إيجابياً من الوزيرة التي أكدت التزام الحكومة بدعم هذه الفئة من المقاولات التي تمثل ما يقارب 98% من المؤسسات وتوفر 75% من فرص العمل.
وشددت الكنفدرالية، على أن دعم هذه المقاولات ضرورة اقتصادية واجتماعية، ليس فقط لمعالجة البطالة، بل أيضاً للحفاظ على السلم الاجتماعي ومحاربة القطاع غير المهيكل.
وسط هذا الجدل، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن الحكومة من إخراج مرسوم الدعم في الوقت المناسب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أم أن شبح الإفلاس سيظل يهدد آلاف المقاولات؟ الإجابة على هذا السؤال تتوقف على قدرة الحكومة على الانتقال من الوعود إلى الأفعال، وتفعيل سياسات دعم فعالة تعكس التزاماتها تجاه هذا القطاع الحيوي.