الدار البيضاء في سباق مع الزمن.. هل تنجح في استعادة بريقها الأبيض؟

وسط مشهد عمراني متغير، ارتفعت وتيرة المطالب الشعبية في الدار البيضاء، حيث يضغط الفاعلون المجتمعيون من أجل استعادة الوجه الحقيقي للعاصمة الاقتصادية.
لم تعد المسألة مجرد نداءات عابرة، بل تحولت إلى حركة متزايدة تطالب بإعادة المدينة إلى بريقها المفقود، وإحياء هويتها الجمالية التي طالما ميزتها عن باقي مدن المملكة.
هذه الأصوات لم تكن مجرد تعبير عن الحنين إلى ماضٍ أنيق، بل جاءت كصرخة استغاثة لإحياء جمال المدينة التي طالما مثلت واجهة المغرب الحديث.
في قلب هذه الحملة، برزت المبادرة التي أطلقتها نبيلة الرميلي، رئيسة المجلس الجماعي، والتي تهدف إلى طلاء واجهات المباني، لا سيما القديمة منها، في خطوة لإعادة المدينة إلى عراقتها البيضاء.
ورغم أهمية هذه البادرة، فإن تنفيذها عرف تأخيرًا ملحوظًا، حيث لا تزال العديد من العمارات والمباني في المدينة تعاني من واجهات متدهورة تسيء إلى الصورة العامة لعاصمة الاقتصاد المغربي.
عبر منصات التواصل الاجتماعي، أطلقت الفعاليات المدنية نداءات متكررة تطالب الشرطة الإدارية بالإسراع في إحصاء المباني المهملة، خاصة في المناطق العتيقة، واتخاذ إجراءات صارمة لإلزام أصحابها بإعادة طلائها.
ويبدو أن الصراع على هوية المدينة بين الماضي والحاضر ليس مجرد معركة معمارية، بل هو صراع يلامس أعمق مشاعر البيضاويين، الذين يربطون اللون الأبيض بذاكرة جماعية تمتد لعقود، حين كانت الدار البيضاء تُعرف كواحدة من أجمل مدن شمال إفريقيا.
مع تسارع وتيرة التمدن والضغط الاقتصادي والاجتماعي، بدأ هذا الجمال يتلاشى شيئًا فشيئًا، ما جعل الرميلي، التي تعهدت منذ بداية ولايتها بإعادة الاعتبار لجمالية المدينة، تطالب رؤساء المقاطعات بتحريك الشرطة الإدارية لمتابعة تنفيذ هذه الإجراءات.
إلا أن النتائج لا تزال متفاوتة، وفقًا لما عاينته الجريدة 24، حيث شهدت مقاطعات المعاريف وسيدي بليوط وعين الشق والصخور السوداء استجابة واسعة من السكان، خاصة في الأحياء الراقية، بينما لا تزال المناطق الشعبية مثل سيدي مومن وحي مولاي رشيد تعاني من تجاهل ملحوظ وافتقار إلى الدعم اللازم لترميم واجهاتها.
وفيما تسعى الجماعة إلى فرض هذه الإجراءات عبر محاضر معاينة وغرامات مالية، يرى البعض أن النهج العقابي لن يكون كافيًا لتحقيق الهدف المنشود، مطالبين بعدم إغفال أهمية التوعية وتحفيز السكان على المشاركة الإيجابية في هذا المشروع.
بعض الفعاليات المدنية اقترحت تقديم دعم مالي أو تقني للسكان غير القادرين على تحمل تكلفة الطلاء، خاصة في المناطق المهمشة، لضمان تعميم هذه المبادرة على مختلف أحياء المدينة.
وفي سياق متصل، تعمل جماعة الدار البيضاء جاهدة للحفاظ على الإرث العمراني الذي يزين قلب المدينة، من خلال إطلاق مشروع لترميم وإعادة صباغة المنازل التراثية ذات الطابع المعماري الفريد، الممتدة على طول شارع محمد الخامس.
هذا الشارع، الذي يعد شاهدًا على تاريخ المدينة وعراقتها، يشهد جهودًا متواصلة لتحويل واجهاته إلى لوحة فنية تنبض بالحياة.
وانطلقت هذه المبادرة قبل شهور لإعادة شيء من بريق الماضي إلى هذه المباني، في محاولة لجعلها عنوانًا للأصالة والجمال الذي طالما ميز الدار البيضاء.
ووسط هذا المشهد المتشابك، يبقى التحدي الأكبر أمام جماعة الدار البيضاء هو إيجاد توازن بين إعادة إحياء الإرث العمراني التاريخي للمدينة وتلبية احتياجات السكان المعاصرة.
المشروع، الذي بدأ بطموحات كبيرة وشمل في مراحله الأولى طلاء حوالي 1400 مبنى، يبدو الآن في حاجة إلى دفعة قوية لاستكمال أهدافه.
كما تراهن مدينة الدار البيضاء على اعتماد لوائح جديدة تهدف إلى توحيد تصميم تراسات وواجهات المقاهي والمطاعم، بهدف تحسين الجمالية البصرية للمدينة ومعالجة الفوضى الناتجة عن احتلال الملك العام.
هذه المبادرة، التي يسعى مجلس المدينة إلى تنفيذها، تهدف إلى اعتماد تصاميم وألوان موحدة، على غرار كبرى المدن العالمية، إذ يرى المسؤولون أن أغلب المقاهي والمطاعم تعتمد تصاميم غير متناسقة لا تتماشى مع الهوية الجمالية للمدينة.
ووفقًا لمصادر "الجريدة 24"، يضع مجلس المدينة اللمسات الأخيرة على دفتر تحملات صارم سيحدد معايير موحدة لتصميم واجهات وتراسات المقاهي والمطاعم، في خطوة تهدف إلى إحداث ثورة بصرية في شوارع الدار البيضاء.
وتؤكد ذات المصادر أن المجلس يعتزم فرض هذه المعايير بصرامة، مع عقد اجتماعات مكثفة مع أصحاب المحلات لضمان تنفيذ سلس، وسط ترقب واسع من المهنيين وسكان المدينة لمعرفة مدى التزام الجميع بهذه القواعد الجديدة.
وبين طموح التجديد وتحديات التنفيذ، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح الدار البيضاء في استعادة مجدها المعماري أم أن هذه المبادرات ستظل مجرد محاولات غير مكتملة؟