البرلمان يحذر من كارثة اجتماعية تهدد آلاف الأطفال ذوي الإعاقة

الكاتب : انس شريد

06 فبراير 2025 - 10:30
الخط :

تسود أجواء من القلق والترقب بين أوساط الجمعيات العاملة في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، مع تصاعد المخاوف من تداعيات تقليص الدعم الحكومي الموجه لهذه الفئة الهشة.

فبينما كانت هذه الجمعيات تشكل طوق نجاة للأطفال وأسرهم، أصبحت اليوم تواجه شبح التراجع عن مكتسبات سنوات من العمل الميداني والتراكمات التي مكنت الآلاف من الاندماج في المنظومة التعليمية والمجتمعية.

هذا الوضع ينذر بأزمة حقيقية قد تعصف بمستقبل أكثر من 26 ألف طفل مستفيد حاليًا من برامج الدعم، في ظل غموض يكتنف استمرارية التمويلات القادمة من وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.

مصدر هذا القلق يعود إلى مصير التمويلات الموجهة عبر صندوق التماسك الاجتماعي، الذي تأسس سنة 2015 لدعم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وضمان حصولهم على التعليم والخدمات شبه الطبية الضرورية لإدماجهم في المجتمع.

غير أن الجمعيات التي حملت على عاتقها مهمة تحسين حياة هذه الفئة، تجد نفسها اليوم مضطرة للدفاع عن حقها في الاستمرار في أداء مهامها، مطالبة الحكومة بالوفاء بالتزاماتها المالية وتقديم رؤية واضحة لتأمين مستقبل الأطفال في وضعية إعاقة.

ولا تقتصر المخاوف على فقدان الدعم المالي فحسب، بل تتجاوز ذلك لتشمل تداعيات أكثر عمقًا على النسيج الاجتماعي والتربوي لهذه الفئة.

توقف أو تقليص الدعم قد يعني حرمان آلاف الأطفال من فرص التعليم والتأهيل، إضافة إلى فقدان حوالي 9 آلاف عامل اجتماعي اكتسبوا خبرات مهنية متراكمة على مدى سنوات طويلة، ما يشكل ضربة قاسية لبرامج الإدماج التي تعتمد بشكل أساسي على هؤلاء الأطر المتخصصة.

ورغم مساهمة صندوق التماسك الاجتماعي في تحسين الوضعية التعليمية والاجتماعية للأطفال في وضعية إعاقة، إلا أن التحديات ظلت قائمة، وأبرزها عجز الصندوق عن تغطية كافة الأطفال المستحقين للدعم، والذين يقدر عددهم بنحو 100 ألف طفل.

هذه الفجوة الكبيرة تعني أن أكثر من ثلثي الأطفال ذوي الإعاقة لا يستفيدون من أي دعم رسمي، وهو ما يثير تساؤلات حقيقية حول مدى نجاعة السياسات الحكومية في هذا المجال.

وفي ظل هذه الأزمة، دخل البرلمان على خط المواجهة، حيث وجه النائب البرلماني عبد الحق أمغار عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تساؤلات حادة لوزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة حول خطة الوزارة لتدبير هذا الملف الحساس.

أمغار تساءل عن الاستراتيجية المعتمدة لضمان استمرارية برامج تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة بعد إدماج هذه الخدمات ضمن منظومة الحماية الاجتماعية مع بداية 2025، خاصة في ظل غياب معايير واضحة تضمن عدم التمييز بين المستفيدين واستدامة التمويل.

كما تساءل النائب البرلماني عن الإجراءات التي ستتخذها الوزارة لضمان التمويل واستمرارية تطوير الخدمات الموجهة للأطفال في وضعية إعاقة.

في السياق ذاته، عبّرت النائبة البرلمانية خديجة أروهال عن قلقها الشديد من تأخر صرف الدعم السنوي المخصص للجمعيات الناشطة في هذا المجال، حيث أشارت إلى أن عدد المستفيدين وصل إلى 30 ألف طفل متمدرس، يتكفل بهم حوالي 9 آلاف إطار مهني وعامل اجتماعي في إطار شراكة مع 400 جمعية متخصصة.

ورغم هذه الحصيلة الإيجابية، فإن السنة المالية 2024 شهدت تأخرا غير مبرر في تحويل الدعم، تلاه تقليص مفاجئ دون سابق إنذار، مما أدى إلى اضطراب في أجور العاملين وتأثر جودة الخدمات المقدمة.

وأكدت النائبة البرلمانية، أن هذا الأمر “أدى عمليا إلى مراجعة أجور العاملين بمبرر ضعف السيولة، بل إنهم لم يتوصلوا أصلا بأجور شهر يونيو من السنة الماضية، وهذا أمر مقلق للغاية، لاسيما وأن التقليص شمل أيضا الدعم المقدم لمؤسسات الرعاية الاجتماعية”.

وأمام هذا الوضع الذي أصبح مقلقا للأسر والعاملين الاجتماعيين والأطر المتخصصة، ساءلت أروهال، الوزيرة عن التدابير التي ستتخذها من أجل معالجة الغموض الذي يلف مستقبل أنشطة الجمعيات العاملة في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، وتحسين قيمة الدعم المقدم لها، وتحفيزها نظير الوظيفة الاجتماعية الحيوية التي تقوم بها.

هذا التقليص في الدعم دفع بعض الجمعيات إلى اتخاذ قرارات صعبة، من بينها تخفيض أجور الموظفين وتأجيل بعض البرامج الحيوية، ما يهدد بفقدان الخبرات المتراكمة وإغلاق بعض المراكز التي تعد الملاذ الوحيد لعشرات الأطفال في وضعية هشاشة.

كما أن هذا الوضع خلق حالة من التوتر في صفوف الأسر التي تعتمد بشكل كلي على هذه الجمعيات لتأمين تعليم وتأهيل أطفالها، وسط غياب بدائل حكومية فعالة.

في مواجهة هذا الوضع المقلق، تبقى الأنظار موجهة نحو الحكومة ووزارة التضامن لتقديم إجابات شافية حول مستقبل هذه البرامج والدعم المالي المرتبط بها.

الجمعيات، من جهتها، تؤكد أنها ليست مجرد مستفيد من الدعم، بل شريك أساسي في سياسة الإدماج الاجتماعي، وتطالب بإشراكها في صياغة الحلول لضمان استدامة المكتسبات التي تحققت على مدار السنوات الماضية.

ومع تصاعد الأصوات البرلمانية المطالبة بتوضيح الرؤية الحكومية، تجد وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة نفسها أمام مسؤولية تاريخية لتقديم استراتيجية واضحة المعالم، لا تقتصر على تدبير الأزمة المالية الحالية، بل تمتد لتشمل إعادة هيكلة شاملة لمنظومة الدعم الاجتماعي، بما يضمن حقوق الأطفال في وضعية إعاقة ويحمي مستقبلهم من التقلبات السياسية والمالية.

هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الحكومة اليوم، وهو امتحان لإرادتها في بناء مجتمع أكثر عدالة وإنصافًا للجميع.

آخر الأخبار