المعارضة تصعد انتقاداتها للحكومة وتكشف عن اختلالات عميقة

في مشهد برلماني اتسم بالحدة والانتقاد اللاذع، تحولت الجلسة العمومية المخصصة لمناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2023-2024، إلى منصة صاخبة لعرض التوترات المتزايدة بين الحكومة والمعارضة.
لم يكن هذا اليوم عادياً تحت قبة البرلمان، حيث اجتمعت أصوات من مختلف التيارات السياسية لتوجه سهام النقد إلى الحكومة، متهمةً إياها بالتقصير في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تثقل كاهل المواطنين.
وافتتحت النائبة البرلمانية نادية التهامي، عن فريق التقدم والاشتراكية، مداخلتها بنبرة حادة تعكس حجم الاستياء الشعبي، حيث حذّرت الحكومة من خطورة تجاهل تصاعد الاحتقان الاجتماعي والصعوبات الاقتصادية التي يعيشها المواطن المغربي.
واعتبرت التهامي أن الحكومة تتبنى سياسة اللامبالاة، متجاهلةً الدعوات المتكررة لاتخاذ إجراءات ملموسة تساهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية ودعم الاستثمار الوطني، خصوصاً المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تعد العمود الفقري للاقتصاد المغربي.
لكن الانتقادات لم تتوقف عند هذا الحد، فقد أعربت التهامي عن استغرابها من استمرار الحكومة في "تطبيعها" مع ممارسات الريع والاحتكار، واتهمت بعض مكوناتها باستغلال البرامج العمومية لتحقيق مكاسب انتخابية قبل أوانها.
وأشارت إلى أن الحكومة لا تكتفي بترويج خطاب يغلب عليه طابع الرضى الزائف عن الذات، بل تمضي قُدماً في محاولة إسكات الأصوات المعارضة عبر التضييق والانتقام، وهو ما اعتبرته تهامي انتكاسة حقيقية لقيم الديمقراطية والحريات التي ناضل من أجلها المغاربة طويلاً.
ووجهت النائبة البرلمانية نادية تهامي انتقادات لاذعة للحكومة، معتبرة أن تجاهلها المتكرر لمظاهر الاحتقان الاجتماعي وارتفاع تكاليف المعيشة وتفاقم معدلات البطالة بات أمراً لا يُحتمل.
وأضافت، بنبرة حادة، أن الحكومة ترفض بشكل ممنهج اتخاذ إجراءات ملموسة وجريئة لمواجهة هذه التحديات التي تثقل كاهل المواطن المغربي، ما يكشف عن غياب رؤية حقيقية للتعاطي مع الأزمات المتصاعدة.
وفيما يتعلق بأزمة المياه، حذّرت تهامي من تداعيات الاستهلاك غير المنضبط واستنزاف الموارد المائية، مشيرة إلى خطورة تفشي ظاهرة سرقة المياه، واستمرار الاعتماد على الزراعات المستهلكة لكميات ضخمة من المياه في ظل ندرتها.
وأكدت على ضرورة تطوير أنظمة السقي الحديثة والحد من التسربات في شبكات توزيع المياه، كخطوات لا تحتمل المزيد من التأجيل لمواجهة هذا الخطر البيئي المتفاقم.
أما في محور الاستثمار، فقد كشفت تهامي عن أرقام صادمة، حيث لم تتجاوز نسبة تنفيذ استراتيجية تحسين مناخ الأعمال 31% فقط، في مؤشر واضح على تراجع الشفافية وغياب المنافسة العادلة.
وانتقدت بطء الحكومة في تفعيل المرسوم الخاص بدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، متسائلة بلهجة حادة عن جدية الحكومة في الالتزام بالتعاقد الوطني للاستثمار، الذي يبدو، حسب وصفها، وكأنه مجرد حبر على ورق.
وفي قطاع الصحة، لم تتردد تهامي في تسليط الضوء على هشاشة تعميم التغطية الصحية، الذي ظل حبيس الإطار الإداري، دون أن يلامس واقع أكثر من 8 ملايين مواطن ما زالوا خارج دائرة الاستفادة.
وانتقدت العجز الحكومي عن تخفيف العبء المالي على الأسر المغربية التي تعاني من أثقال الاشتراكات المفروضة عليها، في وقت يُفترض أن يكون فيه هذا النظام ملاذاً آمناً للمواطن البسيط.
وفي سياق حديثها عن الأعباء الصحية، أشارت تهامي إلى الارتفاع غير المبرر لأسعار الأدوية، واصفة النظام الحالي بأنه يخدم مصالح لوبيات المصحات الخاصة أكثر مما يراعي مصلحة المريض المغربي.
واعتبرت أن استمرار هذا الوضع يعمق الفجوة بين فئات المجتمع ويقوض أسس العدالة الصحية.
أما في الجانب الضريبي، فقد أطلقت تهامي دعوة صريحة لمحاربة التهرب الضريبي، الذي يستنزف خزينة الدولة ويكرّس اللامساواة الاقتصادية.
وشددت على أهمية تقييم شامل للإصلاحات الضريبية وتوزيع الأعباء بشكل أكثر عدلاً، منتقدةً تحميل الأجراء العبء الضريبي الأكبر في ظل استفادة بعض الفئات من امتيازات ضريبية غير مبررة.
كما طالبت بإصلاحات جذرية في الجبايات المحلية لضمان نظام ضريبي أكثر نزاهة وفعالية.
في السياق ذاته، صعّد النائب البرلماني محمد اجنين، عن حزب العدالة والتنمية، من حدة الخطاب المعارض، معتبراً أن انشغال الحكومة بالتحضير للانتخابات المقبلة يأتي على حساب القضايا الجوهرية التي تمس حياة المواطنين اليومية.
وأكد اجنين أن هذا التركيز على المكاسب السياسية الضيقة تسبب في تراجع أداء الحكومة في ملفات حيوية مثل إصلاح التعليم والصحة، فضلاً عن تعطيل برامج الدعم الاجتماعي التي تعتبر شريان حياة للفئات الهشة.
أجنين لم يفوّت الفرصة دون التشكيك في مدى التزام الحكومة بتنفيذ توصيات المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها المجلس الأعلى للحسابات، معبّراً عن قلقه من تراجع مستوى الاستجابة لهذه التوصيات التي تهدف إلى تحسين الحكامة وتعزيز الشفافية.
واعتبر أن غياب قانون تنظيمي يؤطر اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات يزيد من تعقيد الوضع، ويُضعف من فعالية الرقابة على الأداء الحكومي.
من جهته، تناول النائب عبد القادر الطاهر، عن الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية، تقرير المجلس الأعلى للحسابات بلغة لا تقل صرامة عن سابقيه.
وأشار الطاهر إلى أن خلاصات التقرير تنصف المعارضة في قراءتها المتشائمة لأرقام الحكومة، حيث كشف التقرير عن هشاشة الفرضيات الاقتصادية المعتمدة، وضعف مصداقية المعطيات المقدمة بشأن نسب النمو والعجز والمديونية.
وأكد أن الحكومة تواصل الاعتماد بشكل مفرط على الاستدانة لتغطية العجز المالي، دون وجود رؤية واضحة للتحكم في النفقات أو تحسين المداخيل العمومية.
وفي حديثه عن الاستثمار، انتقد الطاهر فشل الحكومة في تفعيل الميثاق الجديد للاستثمار، مشيراً إلى أن نسبة تنفيذ الاستراتيجيات المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال لم تتجاوز 31%، وهو ما يعكس تعثر الحكومة في دعم المقاولات الوطنية وتحفيز النمو الاقتصادي.
كما لفت الانتباه إلى استمرار الضغوط على المالية العمومية بسبب تحمل الدولة للجزء الأكبر من الاستثمارات، دون أثر حقيقي على خلق فرص الشغل أو تقليص الفوارق الجهوية.