أنظمة التقاعد تحت المجهر البرلماني.. شيخوخة السكان تهدد الصناديق

الكاتب : انس شريد

17 فبراير 2025 - 09:30
الخط :

يعيش المغرب حالة من الترقب مع اقتراب العرض الأولي لإصلاح أنظمة التقاعد، وهو الملف الذي تعهدت حكومة عزيز أخنوش بتقديم تفاصيله خلال الفترة المقبلة.

ورغم الالتزام الحكومي، فإن معالم هذا الإصلاح المنتظر ما زالت غامضة، وسط تصاعد الدعوات إلى الإسراع بمباشرة تغييرات جوهرية تضمن استدامة الصناديق وتخفف من أعباء الأزمة المالية التي تواجهها.

وأفاد عبد الرحيم الشافعي، رئيس هيئة مراقبة التأمينات، بأنه “انطلاقا من بعض المؤشرات المتعلقة بالوضعية الديمغرافية والمالية لمختلف أنظمة التقاعد، لا بدّ من التعجيل بإصلاح المنظومة بأكملها لضمان توازنها وديمومتها على الأمد الطويل”، مشددا كذلك على “أن يكون هذا الإصلاح مناسبة لتوحيد شروط وكيفيات الاستفادة من الخدمات التي توفرها هذه المنظومة”.

وذكّر المتحدث، خلال مشاركته في المنتدى البرلماني الدولي التاسع للعدالة الاجتماعية المنظم من لدن مجلس المستشارين والمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، بأن “منظومة التقاعد تتسم في شكلها الحالي بضعف نسبة التغطية التي لا تتعدى 49 في المائة من الساكنة النشيطة المشتغلة”، معتبرا أن “توسيع قاعدة منخرطي أنظمة التقاعد لتشمل فئات العمال غير الأجراء وفئات أخرى سيمكّن من تحسين هذه النسبة بصفة جد مهمة، حيث من المنتظر أن تتجاوز 80 في المائة من الساكنة النشيطة المشتغلة”.

ومن ناحية التوازنات المالية لأنظمة التقاعد، قدم المسؤول ملاحظة متعلقة “بكون معدلات التعويض مهمة مقارنة مع مستوى المساهمات المطبقة ومُدّة الانخراط بالنسبة لمُعظم الأنظمة؛ مما يساهم في ارتفاع التزاماتها تُجاه المنخرطين والمستفيدين وفي هشاشة توازناتها المالية”، مبرزا أن “تاريخ نفاد الاحتياطيات يعدّ من أهم المؤشرات التي تلخص هذه الوضعية وفق ما تُظهره الدراسات الاكتوارية التي أنجزتها الهيئة”.

ووضّح الشافعي قائلا: “على أساس معطيات سنة 2023، فإن احتياطيات نظام المعاشات المدنية ستنفد كلِّيا بحلول سنة 2031 عوض 2028 حسب تقييم 2022، بعد أن استفاد النظام إيجابيا من الزيادات الأخيرة التي شهدتها الأجور في القطاع العام والتي ساهمت في تأجيل تاريخ نفاد الاحتياطيات بثلاث سنوات”.

وزاد المتدخل في المنتدى البرلماني الدولي التاسع للعدالة الاجتماعية: “بالنسبة لنظام الضمان الاجتماعي والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، فإنه من المتوقع أن تنفد احتياطياتهما على التوالي في 2037 و2051”.

وصلةً بملف إصلاح أنظمة التقاعد، أوردت رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، أن “هناك صعوبات مالية تواجه نظام التقاعد”، مبرزةً أنه “لا بد من التساؤل عن فعالية الانتقال من نظام قائم على المساعدات الاجتماعية إلى نظام مساهماتي مستدام عبر حوار عمومي يفكر في الخطوط العريضة للموضوع”.

وكشفت بوعياش أن “هناك نقصا في الاستهداف الدقيق للمواطنين وميزانيات محدودة مقارنة بالحاجيات المتزايدة”، لافتةً إلى أنه لا بد من ملائمة التشريع الخاص بالحماية الاجتماعية مع التوصيات التي أصدرتها منظمة العمل الدولية وتنص عليها الاتفاقات الدولية في موضوع الحماية الاجتماعية التي صادق عليها المغرب”.

واعتبرت المتحدثة ذاتها أن “هناك تحديا آخر يتمثل في إدماج العمال في القطاع غير المهيكل وتسريع الوصول إلى التغطية الصحية والاستدامة المالية لأنظمة التقاعد واستهداف المساعدات الاجتماعية”، مؤكدةً أن “هذه التحديات في حاجة كذلك إلى قواعد حكامة عبر تحديث آليات الإدارة”.

وفي ما يتعلق بنظام التقاعد، أوضح أحمد رضا شامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن "أنظمة التقاعد تواجه تحديات بدرجات متفاوتة، تتعلق بالتوازنات المالية والاستدامة، بالإضافة إلى ضرورة ضمان الإنصاف بين مختلف الفئات، بما يمكنها من الصمود أمام التقلبات الاقتصادية والتحولات الاجتماعية مع الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة".

وأكد أن "التحولات الديموغرافية المتسارعة، كما كشف عنها الإحصاء الأخير، تستدعي تبني إصلاحات تأخذ بعين الاعتبار تنامي ظاهرة شيخوخة السكان، مما يضغط على أنظمة التقاعد ويستوجب إدخال إصلاحات لضمان توازنها المالي واستدامتها على المدى الطويل".

وأوصى شامي بخصوص تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض ب "إرساء نظام إجباري موحد قائم على التضامن والتكامل بين مختلف أنظمة التأمين، مع تعزيز النظام بنظام تكميلي واختياري، والعمل على تسريع تأهيل العرض الصحي الوطني لتحسين جودة القطاع العام وجعله أكثر جاذبية، مع الحفاظ على مكانته المركزية ضمن عرض العلاجات".

ودعا إلى "توسيع قاعدة المنخرطين في أنظمة التقاعد، وأكد على ضرورة توحيد أنظمة التقاعد عبر إنشاء نظام معاشات وطني إجباري أساسي، مع تعزيز النظام بنظام تكميلي إجباري للمداخيل التي تفوق السقف المحدد في النظام الأساسي، ونظام فردي اختياري".

وسبق أن دقت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، ناقوس الخطر، مشيرة إلى الحاجة الملحة لتسريع إصلاح منظومة التقاعد.

واستعرضت العدوي، خلال جلسة مشتركة بين غرفتي البرلمان، توصيات المجلس الصادرة منذ عام 2013، والتي تضمنت الدعوة إلى البدء في إصلاح هيكلي بعد استكمال الإصلاحات المعيارية.

كما نبهت إلى الوضعية الحرجة التي يمر بها الصندوق المغربي للتقاعد، الذي سجل عجزًا تقنيًا بقيمة 9.8 مليارات درهم بحلول نهاية 2023، ما أدى إلى تآكل الأرصدة الاحتياطية التي بلغت 65.8 مليار درهم فقط، مع توقع استنفادها بالكامل بحلول 2028.

ويضع المجلس الأعلى للحسابات هذا الملف ضمن المخاطر المالية الكبرى التي تهدد استقرار المالية العمومية، مطالبًا الحكومة بتفعيل إجراءات إصلاحية عاجلة.

ومن جانبهم، يطالب المتقاعدون بالزيادة في المعاشات كجزء أساسي من الإصلاحات المرتقبة، لضمان تحسين أوضاعهم المعيشية التي تدهورت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

ومع تزايد الضغوط من مختلف الأطراف، تبدو الحكومة أمام اختبار حقيقي لإثبات قدرتها على تقديم حلول عملية ومتكاملة، تحقق التوازن بين الإصلاح الهيكلي وضمان العدالة الاجتماعية.

ويبقى السؤال المطروح: هل ستنجح الحكومة في تقديم عرض إصلاحي يرضي الأطراف كافة ويضع حداً للأزمات التي تلاحق أنظمة التقاعد، أم أن التعقيدات المالية والاجتماعية ستبقي الملف مفتوحًا على مزيد من التأجيلات والتوترات؟

آخر الأخبار