السردين بـ50 سنتيما.. ضربة للمضاربين أم خدعة لكسب الشهرة؟

في مشهد غير مألوف، أثار الشاب عبد الإله، المعروف بلقب "مول الحوت"، ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد إعلانه بيع السردين بسعر رمزي لا يتجاوز 50 سنتيما للكيلوغرام.
هذا العرض الاستثنائي دفع الكثيرين للتساؤل: هل هو تحدٍّ حقيقي لهيمنة المضاربين، أم مجرد محاولة أخرى لخلق "البوز" على حساب الواقعية الاقتصادية؟
منذ عودته إلى نشاطه التجاري، شهد محل عبد الإله في مراكش إقبالًا كثيفًا من الزبائن، وسط دهشة الجميع من السعر غير المسبوق. مقاطع الفيديو التي وثقت هذا الحدث انتشرت بسرعة، ما جعل القضية تتجاوز مجرد بيع السمك إلى نقاش واسع حول أسعار المواد الغذائية، والتحكم فيها من قبل الوسطاء، الذين غالبًا ما يرفعون الأسعار بطريقة غير مبررة.
قبل هذا الحدث، كان عبد الإله قد خاض تجربة مشابهة عندما قرر بيع السردين بـ5 دراهم للكيلوغرام، وهو سعر أقل بكثير مما تعرضه الأسواق المغربية.
حينها، رأى البعض في خطوته محاولة جريئة لكشف تلاعب المضاربين، بينما اعتبرها آخرون مجرد حملة لجذب الأنظار وزيادة المشاهدات عبر منصات التواصل.
لكن خلف هذا العرض المغري، يبرز واقع أكثر تعقيدًا. بحارة من موانئ أكادير والداخلة أكدوا أن سعر السردين عند نقطة الصيد لا يتجاوز 3.60 دراهم، بل يصل في بعض الأحيان إلى 2.5 درهم في الموانئ الجنوبية. و
مع ذلك، يتضاعف هذا الرقم عدة مرات قبل أن يصل إلى المستهلك، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول سلسلة التوزيع وهوامش الأرباح غير المبررة التي يفرضها الوسطاء.
تجار السمك في الدار البيضاء عبروا في حديثهم "للجريدة 24" عن استغرابهم من خطوة عبد الإله، مشيرين إلى أن بيع السردين بهذا السعر لا يغطي حتى تكاليف النقل، الثلج، التخزين وغيرها من المصاريف.
بعضهم ذهب إلى حد اتهامه بالسعي وراء "البوز" لا أكثر، مستغلًا تعاطف الجمهور لتحقيق الأرباح عبر المشاهدات الرقمية، بدلًا من تحقيق مكسب فعلي من تجارة السمك.
في ظل هذه الجدلية، تظل أسعار الأسماك من الملفات الحساسة التي تشغل بال المواطن المغربي، خصوصًا مع اقتراب شهر رمضان، حيث يزداد الطلب على السردين باعتباره خيارًا اقتصاديًا مقارنة باللحوم الحمراء والدواجن التي تشهد ارتفاعًا جنونيًا في الأسعار.
الحكومة بدورها لم تبقَ بعيدة عن هذا النقاش، إذ أطلقت مبادرة "حوت بثمن معقول"، التي تهدف إلى توفير الأسماك بأسعار مخفضة ومحاربة المضاربة، وذلك من خلال أكثر من 1000 نقطة بيع موزعة على 40 مدينة مغربية.
ورغم هذه الجهود، إلا أن الأسواق لا تزال تشهد ارتفاعًا في الأسعار، مما يطرح تساؤلات حول مدى فاعلية هذه المبادرات في كبح جشع الوسطاء وضبط السوق.
نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، لم يفوت الفرصة لتوجيه رسالة مباشرة للمضاربين، داعيًا إياهم إلى "اتقاء الله في المغاربة" والتوقف عن استنزاف جيوبهم بهوامش ربح مبالغ فيها.
في سياق متصل، وجهت البرلمانية فاطمة التامني، عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، مراسلة إلى رئيس مجلس النواب ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، تنتقد فيها ما وصفته بـ"تصفية الحسابات ضد فاضحي الفساد بدل فتح تحقيقات جدية حول المضاربات وغلاء الأسعار".
وشددت البرلمانية على أن المواطنين يعانون من ارتفاع غير مبرر في أسعار الأسماك، رغم توفر البلاد على واجهتين بحريتين وقطاع صيد قوي، مطالبة الجهات المختصة بالتدخل لكشف الحقيقة وراء الأسعار المرتفعة، واتخاذ إجراءات صارمة ضد أي ممارسات احتكارية قد تؤثر على السوق.
هذه التصريحات تعكس مدى القلق الرسمي من تصاعد أسعار المواد الأساسية مع اقتراب شهر رمضان، رغم تطمينات الحكومة بأن التموين سيكون كافيًا والأسعار ستكون تحت المراقبة.
في النهاية، سواء كانت خطوة عبد الإله "مول الحوت" ضربة للمضاربين أو مجرد وسيلة لجذب الأضواء، فإنها أعادت تسليط الضوء على أزمة الأسعار في المغرب، وجعلت الجميع يتساءل: من يتحكم حقًا في السوق؟ وهل هناك أمل في كسر احتكار الوسطاء وتحقيق عدالة سعرية، أم أن الأمر لا يزال مجرد أمنيات تُذَكَّر بها الحكومات عند كل أزمة؟