في أول أيام رمضان.. الحكومة تبشر بوفرة الأسماك والمواطن يشتكي من نار الأسعار 

الكاتب : انس شريد

02 مارس 2025 - 07:30
الخط :

مع حلول شهر رمضان، يزداد الإقبال على الأسماك في الأسواق المغربية، باعتبارها عنصرًا أساسيًا في المائدة الرمضانية.

غير أن هذا العام، وكما في السنوات الماضية، شهدت الأسعار ارتفاعًا غير مسبوق، مما أثار موجة من الغضب بين المواطنين، خاصة في ظل تأكيدات الحكومة بوفرة المنتوج.

فالأسماك، التي تعد عنصرًا أساسيًا على المائدة الرمضانية، أصبحت بعيدة المنال للكثيرين بسبب المضاربة التي ترفع الأسعار بشكل لافت.

فقد تجاوز سعر الكروفيت خلال اليوم الأول من شهر رمضان المبارك حاجز 90 درهمًا، بينما ارتفع سعر السردين إلى أكثر من 15 درهمًا، ووصل الصول إلى 110 درهم، فيما بلغ سعر الكلامار 110 دراهم، ما جعل المواطن البسيط يجد صعوبة في اقتناء هذه المنتجات البحرية.

واجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من الغضب، حيث عبّر المواطنون، عبر فيديوهات متداولة، عن استيائهم الشديد من الارتفاع الصادم لأسعار الأسماك في أول أيام رمضان، متسائلين: أين ذهبت وعود الوفرة وانخفاض الأسعار؟

720 طناً في اليوم الأول من رمضان: وفرة لم تنعكس على الأسعار

في زيارة تفقدية لسوق الجملة للأسماك بمنطقة الهراويين في الدار البيضاء، والذي يعد أكبر مركز لتوزيع الأسماك بالمغرب، أكدت زكية الدريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، أن المعروض من السمك في السوق وفير، حيث تم استقبال 720 طناً في اليوم الأول من رمضان، مقارنة بـ522 طناً في نفس الفترة من السنة الماضية، ما يمثل زيادة بنسبة 40%.

وأوضحت الدريوش في تصريحات صحفية أن السردين كان من بين أكثر الأنواع وفرة، إذ بلغ المعروض منه 364 طناً، مقارنة بـ87 طناً فقط في أول أيام رمضان الماضي، أي بزيادة قياسية بلغت 318%. ومع ذلك، فإن هذه الوفرة لم تؤدِ إلى تراجع كبير في الأسعار كما كان متوقعًا.

فبينما تحسن سعر السردين داخل سوق الجملة، حيث لم يتجاوز 6 دراهم للكيلوغرام، إلا أنه في الأسواق المحلية بيع بأكثر من 15 درهماً، ما يطرح تساؤلات حول الوسطاء وسلسلة التوزيع.

"السوق حر" لكن الأسعار مرتفعة.. ماذا يقول المسؤولون؟

في تصريحاتها للصحافة، شددت الدريوش على أن "السوق حر، والأسعار تخضع لقوانين العرض والطلب"، مؤكدة أن وزارة الصيد البحري ليس لها دور في تحديد الأسعار، بل تقتصر مسؤوليتها على ضمان وفرة المنتوج والحفاظ على الثروة السمكية.

وأشارت إلى أن الحكومة تعمل على رفع العرض خلال شهر رمضان لضمان استقرار الأسعار، مستدلة بأن الاستراتيجية الوطنية للصيد البحري، المعروفة باسم "أليوتيس"، التي أطلقها الملك محمد السادس عام 2009، بدأت تعطي ثمارها، حيث تحسنت وفرة الأسماك بشكل واضح مقارنة بالسنوات الماضية.

من جانبه، أوضح محمد الوداع، مندوب الصيد البحري بجهة الدار البيضاء-سطات، أن ارتفاع حجم المعروض في السوق يرجع إلى انتهاء فترة الراحة البيولوجية التي شهدتها الأشهر الثلاثة الماضية، مما سمح بعودة كميات كبيرة من الأسماك إلى الأسواق. وأشار إلى أن مينائي أكادير وسيدي إفني كانا من بين أهم المزودين للأسواق خلال الأيام الأولى من رمضان.

تجار سوق الجملة: "لا دخل لنا في ارتفاع الأسعار"

رغم تأكيد المسؤولين الحكوميين على وفرة المنتوج، يرى تجار سوق الجملة بالهراويين أن المشكلة ليست في السوق نفسه، بل في حلقات التوزيع التي تتوسط بين سوق الجملة والأسواق المحلية.

وأكد حسن الشافعي، رئيس الفيدرالية الوطنية لبائعي السمك بالأسواق المغربية، أن "دور سوق الجملة ينتهي بمجرد بيع السمك لتجار التقسيط، الذين يتحملون مسؤولية الأسعار التي تصل إلى المستهلك".

وأشار إلى أنه خلال رمضان، يتم توجيه بعض الأسماك التي كانت تُخصص للمصانع إلى الأسواق المحلية لتغطية الطلب المرتفع، وهو ما يفسر جزئيًا تحسن المعروض.

لكنه شدد على أن الأسعار التي يشتري بها التجار الأسماك من سوق الجملة ليست مرتفعة بالشكل الذي يظهر للمستهلك النهائي، معتبرًا أن المشكلة الأساسية تكمن في تكاليف النقل، التخزين، والتوزيع، بالإضافة إلى تعدد الوسطاء الذين يرفعون الأسعار قبل أن تصل إلى يد المستهلك.

"مول السردين" يثير الجدل: هل يستطيع فرد واحد تغيير السوق؟

وسط هذا الجدل، برزت قصة الشاب المراكشي عبد الإله، المعروف إعلاميًا بـ"مول السردين"، الذي قرر بيع السردين بسعر 5 دراهم للكيلوغرام فقط، في خطوة فاجأت الجميع. وبينما اعتبرها البعض تحديًا للمضاربين، رأى آخرون أنها مجرد دعاية شخصية لكسب شهرة على مواقع التواصل الاجتماعي.

تجار السمك في أسواق الدار البيضاء شككوا في إمكانية تحقيق أي ربح عند بيع السردين بهذا السعر، مؤكدين أن ذلك لا يغطي حتى تكاليف النقل والتخزين، فضلاً عن التكاليف الأخرى المرتبطة بسلسلة التوزيع".

في المقابل، يرى بعض البحارة أن سعر السردين عند نقطة الصيد غالبًا ما يكون منخفضًا جدًا، حيث لا يتجاوز في بعض الأحيان 2.5 درهم للكيلوغرام، لكن عند وصوله إلى الأسواق، تتضاعف الأسعار بشكل غير مبرر، ما يثير تساؤلات حول الأرباح التي يجنيها الوسطاء.

هل من حلول لضبط الأسعار؟

في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأساسي: لماذا لا تنعكس وفرة السمك في سوق الجملة على الأسعار النهائية للمستهلك؟ وهل هناك حلول فعلية لضبط السوق؟

البعض يرى أن الحل يكمن في تقنين حلقات التوزيع، والحد من عدد الوسطاء، وتعزيز الرقابة على أسعار الأسماك من سوق الجملة إلى البيع بالتقسيط.

بينما يرى آخرون أن دعم الصيادين مباشرة وتشجيع البيع المباشر بين البحارة والمستهلكين قد يكون إحدى الحلول الممكنة.

في النهاية، تبقى أسعار الأسماك موضوع نقاش مستمر خلال شهر رمضان، حيث يظل المواطن المغربي في رحلة بحث عن أسماك بأسعار معقولة، وسط سوق تتحكم فيه قوانين العرض والطلب، ولكن أيضًا مصالح الوسطاء والمضاربين.

آخر الأخبار